استقبل مخيم برج البراجنة أطفالاً عراقيين، ليتقاسموا مع أطفال فلسطينيين، تمرّسوا في اللجوء، معاناة هجر الأوطان. وجلس الأطفال على مائدة إفطار بعد نهار حافل بالنشاطات أقامتها المنظمة السويدية لرعاية الأطفال بالتعاون مع جمعية المرأة في المخيم
قاسم س. قاسم
«ألف باء حقّ للجميع» و«من حقّي أن أتعلّم»، شعاران حملتهما المنظمة السويدية لمساعدة أطفال عراقيين على التأقلم مع لجوئهم. ومَن أفضل من الطفل الفلسطيني الذي ولد في المنفى ليواسي جاره العراقي. اندمج الأطفال بعضهم مع بعض، وبدت اللهجة عائقاً للوهلة الأولى، ولكن تبيّن أنّ البعض يتكلم اللهجة اللبنانية بطلاقة، فيما لم تخل لهجة البعض الآخر من المفردات اللبنانية. جمعت المنظمة السويدية لرعاية الأطفال وجمعية المرأة في مخيم برج البراجنة 75 طفلاً فلسطينياً و15 طفلاً عراقياً في ورشة عمل تفاعلية. وينتظر أن تتابع المنظمة والجمعية أوضاع الأطفال المعيشية والدراسية.
بدأ الاطفال نشاطهم بالتعرّف بعضهم إلى بعض، ثم شاركوا في لعبة تقضي بأن يعلن كل طفل ما يشتهي من طعام. اختلفت أسماء المأكولات بين طفل وآخر، وكانت «المجدّرة» الأكثر ترداداً بينهم.
تعلّم الأطفال من بعض النشاطات ومعالجتهم لبعض الأسئلة احترام الآخر وتقبّله، الحقّ بالهويّة، وحقّ الاختلاف. بعد تعلّمهم حقوقهم وزّعت عليهم كتيّبات تتضمن رسوماً للتلوين تعكس واجباتهم. رقص الأطفال وغنّوا في دائرة كبيرة فكان الجو الرمضاني حاضراً من خلال الأناشيد الدينية وغابت مآسي بلادهم عنهم للحظات. يقف الأهالي حول الدائرة، يشيرون إلى أبنائهم، يبتسمون لإجاباتهم الخاطئة عن الأسئلة الدينية. تتوسط الدائرة متطوعة، يرددون خلفها كلمات الأغاني التي تتضارب مع صوت القرآن المنتشر من جوامع المخيم القريبة. تُكسر الدائرة فالإفطار أصبح قريباً، يجلس الأطفال فينتظرون الأذان ويبدأون التكهّن بأنواع الطعام المحضّر لهم من خلال الرائحة المنتشرة في مركز الجمعية.
تركت رنا نعيم (6 سنوات) منزلها في منطقة الإسكان في بغداد لتصبح لاجئة في لبنان. لم ترحل نعيم عن منزلها إرادياً، لكنّ القصف القريب من المنزل أجبر عائلتها على ترك المنطقة. تفرح عندما تتحدث عن أصدقائها الفلسطينيين الجدد. صداقتها معهم لن تكون مرحلية فهي سوف تبقى تزورهم حتى بعد انتهاء النشاطات. لا تفرّق رنا بين الفلسطيني والعراقي، لكنها تتمنى أن ترى مجدداً أصدقاءها الذين تركتهم في العراق.
يعكس اسم بيسان معاري (6 سنوات) جذورها الفلسطينية. لكن معاري تتابع السياسة وتعلم أن «الأمريكان عم يقتلوا بالعراق، على شان هيك بيجوا الناس لهون». عبارة بسيطة لخّصت بها بيسان معاناة العراقيين في لبنان. من أفضل أصدقائها اليوم، نعيم التي تجلس بقربها مبتسمة عندما تشير إليها معاري.
«ماكو فرق كأنهم عيلي»، هكذا ترى هدى عبد الجليل من منطقة البيّاع في بغداد الأطفال الفلسطينيين والعراقيين. تبدو الفرحة على وجهها واضحة عندما ترى أطفالها الثلاثة يلعبون مع أصدقائهم الفلسطينيين. تخالف والدة سرى طائي هدى، فابنتها كانت تتعرض لعدة مواقف من زملائها في المدرسة. ففي أحد الأيام أتت سرى باكية إلى المنزل لأنّ أصدقاءها رفضوا الجلوس بقربها في المدرسة لأنّها عراقية. تقول والدتها إنّ الوضع مع الأطفال الفلسطينيين مختلف لأنّ ابنتها لا تشعر بالفرق. تعتبر والدة سرى أنّ ابنتها «عم تعيش عمرها الآن».
قبل الإفطار بدقائق يخفت صوت الأطفال ليعلو صوت المتطوعين، وكأنهم خلية نحل انتشروا بين الأطفال في ست غرف ليوزعوا الطعام عليهم. يسأل بعض الأطفال الصائمين عن الساعة أكثر من مرة، بينما يسير ميلاد أبو جودة، مسؤول النشاطات في الجمعية السويدية ليشرح أنّ «هذه النشاطات سوف تستمر بعد رمضان، وستتم مساعدة أهالي الأطفال في الأقساط المدرسية». يفخر ميلاد «أنّ الطعام محضّر خصيصاً في مطابخ الجمعية وهو صحيٌ بالكامل». أما بالنسبة إلى مسؤولة النشاطات في جمعية المرأة زينة صالحاني فأكدت أنّ الجمعية ستتكفل بنشاط تدعيم دراسي يومي ونشاط خاص للأطفال المتسرّبين من المدارس.
جمع الاحتلال أطفال العراق وفلسطين تحت سقف واحد. ووقف الطفل الفلسطيني بالقرب من العراقي ليسانده في لجوئه. ومهما اختلفت المعاناة من شعب إلى آخر إلا أنّ اللجوء يبقى واحداً.


ترتدي سرى الطائي قبّعة عليها العلم العراقي. تتحدث عن معاناتها في اللجوء بعدما قصف المنزل الذي كانت تسكنه فهربت من العراق «لأنّو ما في أمان» لتقطن منطقة حارة حريك، حيث تعرّض منزلها هناك للقصف أيضاً في تموز، وهنا تقول «حتى في لبنان ما في أمان».

رفض محمد العلي، ابن عكا، أن يجلس مع أخيه الذي كان منشغلاً عنه. ففضّل الجلوس مع صديقه اسماعيل البغدادي من العراق. نشأت الصداقة بينهما خلال النشاط. لم يفارق محمد صديقه الجديد والسبب «لهجته العراقية الجميلة»، لكونه لم يصادف عراقياً من قبل.

لقطة

طلاق الأمهات


في الطبقة العلوية للمركز، جلست الأمهات الفلسطينيات والعراقيات في حلقات متباعدة. منهنّ من اخترن أن يفطرن بعيداً عن أبنائهن. أما الأولاد فاستطاعوا أن يندمجوا في ما بينهم ويتقاسموا طاولة واحدة. من جهتهم، انهمك الأساتذة في التحضير لمائدة الإفطار ولم يلتفتوا إلى الأمر.