رامي خريسالجهد الذي تقوم به جبهة اليسار الفلسطيني الموحّد التي تضم الجبهتين الشعبيّة والديموقراطية وحزب الشعب، والتي تألّفت أخيراً بهدف توحيد المساعي لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، هو جهد طيّب، وإن بقي يأخذ حتى اللحظة طابعاً نخبوياً من دون أن ينتقل إلى القواعد الجماهيرية لليسار الفلسطيني، وهذا ما يتطلّب تطويره وتوسيع دائرة فعله من خلال برنامج عمل متكامل في المرحلة المقبلة. بالإضافة إلى الدور الذي تقوم به هذه الفصائل على صعيد استعادة الوحدة الوطنية والتخفيف من حدّة التناقضات القائمة بين الفريقين الفلسطينيين المتحاربين، تمهيداً لحوار وطني شامل يعيد صياغة الأوضاع الفلسطينية المدمّرة على قواعد وأسس جديدة أكثر تماسكاً وديمومة، ينبغي الالتفات إلى مهمّتين يجب العمل عليهما.
الأولى: اجتماعية مرتبطة بحياة الفلسطينيين وهمومهم في الضفّة الغربية وقطاع غزّة المحاصر.
يعيش الشعب الفلسطيني حياة مأساوية، سببها إجراءات الاحتلال في إنهاء سبل الحياة الكريمة أولاً، ولكونه جزءاً من شعوب العالم الفقيرة التي تتحمّل أكبر أعباء الأزمة الاقتصادية العالمية ثانياً، كل ذلك في ظل وجود حكومتين، في رام الله لا تعير بالاً للهمّ الاجتماعي بحكم موقعها وتركيبتها وتحالفاتها، وأخرى في غزّة لا تمتلك بالأساس رؤية في المسألة الاجتماعية بحكم إيديولوجيتها واهتماماتها المغايرة، وهو ما يجعل من الاحتكار والفساد وغلاء الأسعار سيفاً مسلطاً على رقاب الفلسطينيين الفقراء، وهم أغلبية ساحقة.
وتنبع أهمّية مهمّة كهذه بالأساس من واقع التداخل الواضح بين الاجتماعي والوطني في الحالة الفلسطينية. فإجراءات يكون هدفها التأمين الاجتماعي والتخفيف من حدّة الظروف المعيشية القاسية، هي مدخل للصمود الوطني والعكس صحيح.
الثانية: إعادة النظر في البرنامج السياسي لليسار الفلسطيني بشأن إمكان قيام دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 67. لقد انتهجت إسرائيل مشروعاً
مبرمجاً يهدف إلى تقويض البنى الموضوعية التي يمكن أن تحمل مشروع دولة فلسطينية مستقلة في هذه الحدود، ولذلك وصلت المفاوضات الفلسطينية التي استمرت لسنوات إلى حائط الوقائع الموضوعية على الأرض التي تقول باستحالة الوصول إلى حلّ من هذا القبيل.
اليسار الفلسطيني، ومعه قوى المجتمع الفلسطينية الواعية، يجب أن يطلق ورشته الفكرية والسياسية الأوسع في الوطن والشتات، لنقاش برنامجه الوطني وخيارات الشعب الفلسطيني السياسية في المرحلة المقبلة. هل يمكن لليسار أن يُبقي على خيار دولة 67 ضمن برنامجه مع انتفاء موجباته على الأرض؟ هل حلّ 67 ممكن تاريخياً في هذه اللحظة؟