جوان فرشخ بجالي «الأرض يا سيدي قد تضيع إلى الأبد» هو عنوان مقالة نشرتها جريدة «هآرتس» الإسرائيلية عن نتائج التنقيبات الأثرية في موقع «بيت شمش» القريب من القدس. وقد بدأت المقالة بترجمة نص كنعاني قديم جاء فيه: «إلى ملكي، سيدي وشمسي. هذه هي كلمات خادمتك «بليت نشتي»، أنا أنحني على قدميك سبع مرات، ويجب أن أقول لملكي إن هذه البلاد تعيش فترة صراع، والأرض يا سيدي قد تضيع إلى الأبد».
تلك كانت الرسالة التي كتبتها الحاكمة بليت نشتي، التي كانت تدير شؤون إحدى المدن الكنعانية الواقعة جنوب فلسطين، إلى الفرعون المصري أخناتون الرابع في القرن الـ14 قبل الميلاد. وقد عُثر على الرسالة قبل أكثر من قرن في تل العمارنة في مصر. ولكن، وبحسب مقالة «هآرتس»، فذلك الواقع قد تغير بفضل الحفريات الأثرية التي يقوم بها، منذ عام 1990، فريق من علماء الآثار من جامعة تل أبيب على موقع «بيت شمش» معلنين أنه بليت نشتي. ووصفوا الموقع بأنه المدينة التي دُمّرت: «أسوار المدينة مهدّمة بشكل واسع، وبعض الجدران انهارت بسبب ضخامة الحريق الذي شب بعد معارك أدت إلى نهايتها بعدما دافعت عن نفسها بدليل وجود رؤوس أسهم من البرونز على الأسوار...».
الجدير بالذكر أن كل تلك المكتشفات ليست بغريبة عن أي موقع أثري يعود إلى العصر البرونزي في الشرق الأوسط، ولكن المستغرب استخدام تلك المكتشفات لاستدراج عطف الناس على سكان تلك المدينة التي «دمرها الحبريون، شعب من البدو الرحل يعيش من الغزو والسرقات».
واللافت في تلك المقالة أن علماء الآثار والصحافيين الإسرائيليين باتوا يتقنون فن استخدام أي نص تاريخي أو حفرية أثرية لغايات سياسية، تدفع بالقارئ إلى اعتبار الوضع السياسي الإسرائيلي الحالي كأنه موروث تاريخي. فهم يقطعون خيط الفصل بين الماضي والحاضر ويسيّسون المكتشفات لإظهار أنفسهم ضحايا «الغزاة» و«البدو» الذين لا يقيمون للأرض اعتباراً منذ آلاف السنين، ويهدودنهم دونما انقطاع! وللوصول إلى هذا الهدف، يستخدمون أساليب سلسلة جداً في صياغة الخبر. فهم مثلاً يحددون أن موقع «بيت شمش» كنعاني دون إعطاء أي تفسير عن هذا الشعب وحضارته ونزاعاته مع الإسرائيليين، بل يغضّون النظر عن تلك المعلومات ليشددوا على أهمية أن تكون كاتبة الرسالة امرأة... من دون أن يقولوا إنها كنعانية وليست اسرائيلية.
أما عن النظرية التي تدفع إلى القول بأن موقع «بيت شمش» هو بالفعل مدينة الحاكمة بليت نشتي، فتعطي المقالة إشارة سريعة إلى دراسة قام بها بعض العلماء لنوع التراب المستعمل في تصنيع الرقم الطينية التي كتبت عليها رسائل الحاكمة، وكانت النتيجة أن أحد أنواع التراب مطابق لنوع التراب في المنطقة الممتدة في جنوب فلسطين! مما دفع بأحدهم إلى القول إن «بيت شمش» هو مدينة تلك الحاكمة.
نص تاريخي عن الأرض الضائعة ونظرية وموقع أثري كنعاني كانوا أكثر مما يطلبه «علماء الآثار» في معركتهم لـ«تجييش» دراساتهم وأبحاثهم في سياق خلق الحس الوطني على أساس المعالم الأثرية، ولو كانت تلك مجرد نظريات لا تمت إلى الواقع العلمي بصلة.