خالد صاغيةواجهت الاندفاعة السابقة لقوى 14 آذار انتقادات طالت أساساً تلك الحماسة الحمراء والبيضاء التي أريد لها أن تتغلّب على العقل، لا بل أن تمنعه حتّى من التفكير تحت شعار استرداد الحرية والسيادة والاستقلال. فالاعتراضات المحقّة على الحقبة السوريّة استخدمت في اتجاهين: ثمّة قوى سياسية محلية وخارجية كانت تعرف ما تريده جيّداً. وثمّة قوى أخرى، هي التي غلب خطابها، كانت ترغب في ركوب الموجة، كي تعيد إنتاج نفسها. لم تكن لهذه القوى كبير علاقة باعتراضات المتظاهرين في الساحات. كانت تريد حصّتها من التركيبة الجديدة، ليس إلا. لم تكن تلك القوى، ولا الأنصار المتظاهرون، يرغبون في سماع كلام عن دورهم الصغير في حلقة جهنّمية تجتاح المنطقة، وأنّ «الحريّة» ليست ما يعني جورج بوش في لبنان، بل نقل البلد من دوره وموقعه في المنطقة.
في ذلك الزمن، كانت «الهجمة» الأميركية ووعود تلك «الهجمة» لم تفقد اندفاعتها بعد. وكان التيار الوطني الحر شريكاً أساسياً في الحشد لتظاهرة 14 آذار، وكانت المصالح المتلاقية للقوى الأخرى لمّا تفقد تشابكها. كان ذلك قبل أن يستمع سمير جعجع إلى النقد الذاتي لوليد جنبلاط، ذاك النقد الذي رأى أنّ قوى الأكثريّة قد ابتعدت كثيراً عن فلسطين (الحبيبة إلى قلب «القوّات»)، وسقطت في فخ التقوقع والانعزال.
أمّا اليوم، فعلامَ يعتمد تأجيج الساحة الطرابلسيّة؟ وما الغاية من التباطؤ في إصدار البيان الوزاري، بعدما انكشف الغطاء الأميركي؟ لم تعد المسألة حسابات خاطئة. إنّنا هنا أمام الخطورة التي يمثّلها من يظنّ أنّه يعيش في عالم السنافر داخل الحكومة، ومن يظنّ أنّ بناء الدولة يكون وفقاً لمسطرة يملك هو وحده مقاساتها، ومن يظنّ أنّ باستطاعته ممارسة الكيديّة بديلاً من السياسة التي يجهل.
من له عينان ناظرتان تمكّن من رؤية أنّ «الحفلة» كلّها كانت تستهدف سلاح حزب اللّه، بصفته سلاحاً مقاوماً (لا بصفته «خطراً على الدولة»). غير أنّ في هذه الحكومة من يصرّ على طبيعته السنفوريّة. انظروا مثلاً إلى وزير السياحة. ها هو إيلي ماروني يدعو المغتربين «للعودة إلى لبنان لطرد الغرباء منه».