تتصاعد الدعوات من بعض الهيئات الأهلية في لبنان لإنشاء جسور للمشاة لحماية أرواح المواطنين، وخصوصاً أن 40% من حوادث السير تودي بحياة المشاة. وفيما تشير الدراسات إلى حاجة لبنان إلى 135 جسراً، ليس في لبنان إلا 35 تستعملها قلة من المواطنين للعبور من جهة إلى أخرى من الطريق، فيما يستعملها آخرون «للتسلية»، وتبقى الفائدة الكبيرة منها لمصلحة الشركات الإعلانية
قاسم س. قاسم
حين يُسأل شادي حرب عن سبب استعماله جسر المشاة عند طريق المطار، يتذكر كيف كان يجتاز الأوتوستراد قبل إنشاء الجسر. كانت العملية تتطلب «قلباً قوياً، وكنت أحسب للأوتوستراد ألف حساب». أمّا اليوم، بعد إنشاء الجسر، فقد سهلت عملية الحسابات «أستعمل الجسر أفضل من المخاطرة بحياتي» ولو تطلب ذلك أن يسير مسافة بعيدة عن منزله قبل أن يتاح له استعمال الجسر للعبور.
إلا أن شادي يكاد يمثّل الاستثناء بين غالبية اللبنانيين الذين يعبرون الطرق السريعة تحت الجسر، ليتحوّل الأخير «باطوناً بلا عابرين».
علي زين الدين مثلاً يفضل «المغامرة» ولا يمانع أن يجرب حظه باجتياز الطريق. فبعد نهار عمل طويل، يفضّل أن يستغلّ كل دقيقة للوصول سريعاً إلى المنزل على أن يصعد درجات الجسر. يردد ضاحكاً «لا أحب استعمال الجسر، وخصوصاً أنني أشعر بالخوف بمجرد رؤية السيارات تمر من تحته». علماً بأنه يضطر أحياناً إلى الانتظار أكثر من عشر دقائق لتخفّ حدة السير ليعبر الطريق كي لا يراوده شعور الخوف هذا.
سبب آخر يدفع إلى عدم استخدام الجسر، هو المسافة الطويلة التي يجب على المواطن سيرها على قدميه للوصول إلى الجسر. لذلك تفضل ريتا بوغوسيان اجتياز الطريق على أن تسير مسافة ثلث ساعة لكي تستعمل جسر مشاة نهر الموت. ورغم وفاة أحد جيرانها أثناء عبوره الطريق، إلا أن المغامرة بالنسبة إلى ريتا «أحسن من المشي»، وخصوصاً في الصيف.
ويحصد أوتوستراد جبيل العدد الأكبر من المشاة ـــ القتلى، إذ ليس عليه غير جسر مشاة واحد قبل مفرق «الأليزيه»، وطبيعة الأوتوستراد السريع جداً تجعل المخاطرة عليه مكلفة. إلا أن الكلفة المترتبة على عبور الجسر قد تكون أكثر، كما كانت عليه بالنسبة إلى لمى التي تقول عن جسر المدينة الرياضية إنه «بالإمكان قتل قتيل ولن يعلم به أحد». وتذكر ما حصل معها مرة عندما كانت ذاهبة إلى المعهد حيث تدرس «صادفت عمالاً على الجسر وحاولوا التحرّش بي، ما دفعني للركض باكية إلى المعهد». هناك استنجدت بأصدقائها الذين ذهبوا إلى الجسر ولم يجدوا أحداً. لم تكن لمى الفتاة الأولى التي تتعرض لمحاولة تحرش على هذا الجسر، فمهى ترفض أن تروي ما حصل لها وما شاهدته، لكن الخلاصة «أفضّل اليوم اجتياز الطريق على عبور الجسر».
يستريح بعض العمال على أحد هذه الجسور، حيث يقفون ليدخنوا سجائرهم قبل أن يعبروه. «من الجميل مشاهدة السيارات تمر من تحتنا بسرعة عالية» هكذا يصف عبدو بركو المشهد. يتقاسم عبدو الجسر مع عاشقين قررا الالتقاء عليه خلف لوحة إعلانية خوفاً من أعين الأهل. إذ لا تمانع مريم خليفة في لقاء حبيبها على الجسر «فهو بعيد عن المنزل»، ولن يفكر أحد في أن يفتش عليها في هذا المكان.
ساهم انقطاع التيار الكهربائي بازدهار الحركة على جسور المشاة، لكن استعمالها هذه المرة لم يكن للعبور. يذكر محمد نزال تلك الليلة التي قضاها على أحد الجسور التي تقع بالقرب من منزله بعد ليلة طويلة بلا كهرباء، قرّر فيها السهر على الجسر والتقى بمشرّد كان ينام هناك: «عندما شعر بوجودي استيقظ وأكملنا السهرة سوية». لا يزال محمد يسهر على الجسر كلما انقطعت الكهرباء، وبالتالي «أصبحت أقضي وقتي على الجسر أكثر من وجودي بين أهلي» ما دامت الكهرباء مقطوعة.
هكذا استغلّ الجميع جسور المشاة إلا المشاة أنفسهم. فاحتلت الشركات الإعلانية هذه الجسور لتغطيها على الجانبين، وليتحوّل المارّون إلى كائنات لا مرئية ولتستفيد البلديات من هذه الجسور ومن الأموال التي تدرّها عبر الشركات الإعلانية.
في المقابل، هناك من يتمنى استعمال الجسور ولا يملك القدرة، كما الحاجة نازك جعفر التي تنظر إلى الجسر بحسرة وتتمنى لو أنها كانت أصغر بعشرين عاماً لتستطيع استعماله. تعبر الحاجة الثمانينية الأوتوستراد في الكثير من الأوقات، إذ إنها لا تستطيع أن تستعمل جسر المشاة بحكم عمرها، وتتمنى لو أن درجات الجسر كانت «كهربائية»، لوفّرت على نفسها المخاطرة بما «بقي من عمري».
بدوره، ينتظر رامي غدار على كرسيه المدولب، مرور إحدى سيارات الأجرة لتوصله إلى الجهة المقابلة من الأوتوستراد. فهو لا يزال يذكر الحادثة التي شهدها في منطقة الرحاب عندما صدمت سيارة مسرعة معوّقاً مثله كان يحاول أن يعبر الطريق ليلاً. «لم يسعفه الحظ، الكهرباء كانت مقطوعة، فلم يره السائق». يقول رامي إنه يفضّل أن يدفع كل ما يملك على أن يموت على الطريق، ويضيف ممازحاً «أريد أن أدفن قطعة واحدة».
تشير إحصائيات جمعية اليازا من أجل السلامة المرورية في لبنان إلى أن 40% من حوادث السير تودي بحياة المشاة. فمنذ بداية العام حتى الآن، قتل نحو 100 مار في مختلف المناطق اللبنانية، كما يشير زياد عقل مؤسس «اليازا» إلى وجود نحو 30 إلى 35 جسر مشاة في لبنان، بينما من المفترض أن يكون هناك نحو 135 جسراً.
وكانت الجمعية قد قامت بالعديد من حملات التوعية من أجل تشجيع المواطنين على استعمال الجسور، وآخرها حثّ الدولة على وضع حواجز حديدية في وسط الأوتوستراد لمنع المشاة من عبورها.