خضر سلامةالدكتور «نت»، هو عنوان مجموعة قصصية، مصورة وقصيرة، أصدرها الكاتب والرسام البلجيكي فنسنت بورغو. والدكتور «نت» هو شخصية كرتونية كوميدية، يشبه دمية روسية (مدوّر الرأس والجسد) مهمتها فحص مرضى شبكة الإنترنت ومعالجتهم، من مدونين ومدمنين وحتى أصحاب الشركات الكبرى كبيل غيتس، لم ينجوا من تهكم بورغو الهادف. يوميات الدكتور نت، تشبه الكثير من يوميات أي رجل غربي «يحمل كمبيوترَ»، مع ميزة بقدرته على حل مشكلات الآخرين وعقدهم بسذاجته، دون أن يتنبه إلى مشكلاته الخاصة هو نفسه مع الإنترنت، الدكتور نت، يعاني جهلاً نسبياً في المعارف المتعلقة بشبكة الإنترنت، وهذا ما يجعله في موضع التهكم «بغباء» على الآخرين، يحاول فهم مشكلاتهم من وجهة نظرٍ «شعبية» بعيدة عن المفردات العلمية والإلكترونية التي تعج بها يومياتهم.
ولكن من أين أتت فكرة الدكتور نت، يقول بورغو إن القصة كانت مسألةً تجارية تسويقية محضة في بادئ الأمر، حين دفعت به شركة «فرانس تليكوم» عام 1998 لتصميم صفحةٍ خاصة في مجلة الشركة تعنى بشرح مفاهيم الإنترنت من «بريد» أو «موقع» أو «رسالة إلكترونية»، شرحها بطريقة مبسطة للموظفين تسهل عليهم دخول عالم الإنترنت في بداياته آنذاك، فابتدع الرسام البلجيكي الدكتور نت، كتصوير لشخصيته هو نفسه، ولشخصيات الموظفين الذين ينتظرون اكتشاف عالم الويب، رجل أربعيني يشعر بأن عصر الماكينات يسبقه، ويرى في الإنترنت منهلاً لطاقات كبيرة وآفاق واسعة، إلا أنها أصبحت بعيدة المنال عنه ويحتاج إلى العمل بكد للتعرف إلى مصطلحاته ومشكلاته وخبايا شبكته، من خلال معايناته المختلفة في كل قصة، وتعامله مع «المرضى» المفترضين، ومع جهاز كمبيوتره أيضاً. بورغو الذي احترف الرسم منذ 15 عاماً، والذي يوازن بين شغفه بالكتابة وشغفه بالرسم، يصر على إدخال تعابير تستعمل في لغة الإنترنت المكتوبة في قصصه، تعابير قد تكون صعبة وغير مفهومة لمن لا ينتمي إلى هذا العالم، إلا أن «غموض الكلمات جزء مهم من الكوميديا عند الدكتور نت» حسب الرسام، فغموض الكلمة ينبه هذا القارئ إلى ما فاته، ويجعل من القراءة محفزاً للبحث العلمي وتوحيد مفاهيم لغة المستقبل التي تنتشر شيئاً فشيئاً عند الجيل الصاعد. هذا الجيل، الذي سيجد أيضاً في مشكلات الشخصيات الكرتونية ما يشبه مشكلاته، من إدمان، إلى ملاحظات الأهل، إلى مواقع غريبة ومشكلات في الصيانة وغيرها، كلها مقدمة إليه بقالب من السخرية، «إنها محاولة تعليمية، ونقدية أيضاً، حملة إعلامية في كتاب قصصي بسيط وكوميدي، يقدم الإنترنت على طبقٍ ساخر، يظهر سلبياته وإيجابياته، لماذا يجب أن ندخل في عالم الإنترنت؟ وماذا الذي يجب أن نحذره؟ وأين نبالغ وأين نقصّر؟» أسئلة يشدد عليها بورغو. وقد أضاف الرسّام البلجيكي شخصية بيل غيتس كأحد أبرز «مرضى» الدكتور نت الذين يداومون في عيادته، حضور غيتس في القصص المصورة يبرره بورغو بأنه «مجرد استخدام لاسم أهم رجال الإنترنت في عصرنا هذا، وإمبراطور التجارة والتصميم والبرمجة في هذا العالم المقيد في شاشة مختومة باسم «ميكروسوفت».
الدكتور نت يفرض إيقاعاً جديداً في مهنة الكتابة ومهنة الرسم وفي القراءة، فهو إذ يذيب حاجز التنافس التقليدي بين الكتاب والكمبيوتر من جهة، وبين الكلمة والصورة، وبين فأرة الكمبيوتر والرسومات، يجعل من القصص المصورة جسراً سهلاً للعبور الساخر إلى الشاشة، مبسطاً المفاهيم، عارضاً المشكلات، وجامعاً تناقضات المجتمع الواحد بشخصيات «القرية الإلكترونية الصغيرة» التي تتسع أكثر فأكثر... أي الإنترنت.