في بداية التسعينيات أصدر المعالج النفسي السويسري برتران كرامير كتابه «أسرار النساء» “Secrets de femmes De mere a fille”، وفوجئ بالحفاوة النقدية والإقبال الكبير على الكتاب من القرّاء في بلاده وفي فرنسا وبلجيكا.جذب الكتاب اهتمام المحللين النفسيين، وكُتبت عنه عشرات المقالات، وتلقى الكاتب آلاف الرسائل من أمهات يبحثن عن حلول لمشكلات بناتهن. لم يكتب كرامير مقالات «تنظيرية»، ضمّن كتابه ثلاث حالات تابعها. كرامير يعالج منذ عقدين أطفالاً يعانون مشكلات «نفسية» أو «عصبية». وهو على إيمان كبير بأن مشكلات الصغيرات إنما تكمن عند الأمهات.
في القصة الأولى التي يرويها كرامير، تشتكي أم شابة من قلق طفلتها البالغة من العمر سنة ونصف فقط، الطفلة لا تنام إلاّ قليلاً، تبكي ليلاً، تريد أمها إلى جانبها في الساعات المظلمة. لكننا نكتشف، مع الطبيب المعالج، أن الأم كانت تخاف ليلاً، وأن والدتها، أي جدة الطفلة التي تخضع للعلاج، كانت تتركها وحيدة خلال ساعات الليل، تحفظ الأم تلك الصور المؤلمة لصغيرة مرمية وحدها في سرير أطرافه من «الشباك المعقدة». في إحدى جلسات العلاج وجه كرامير السؤال «القنبلة» في وجه الأم، قال لها «وما الخطأ إن نامت الطفلة وحدها»، بكت الأم حينها وروت حكايتها هي، وبعد جلسات عدة اقتنعت بأنها تنقل قلقها هي إلى صغيرتها، وبأن الطفلة لا تخاف من النوم وحيدة لولا تأثير أمها عليها. الحالة الثانية عن أم بدينة تشكو من «قرف» ابنتها من الأكل، لدرجة أن الطفلة التي كانت تبلغ من العمر سنتين فقط لم يزد وزنها عن عشرة كيلوغرامات. كانت الطفلة تبدو أشبه بهيكل عظمي كما وصفها الطبيب، لا تأكل إلاّ نادراً، من خلال متابعة حالة الطفلة روت الأم البدينة استياءها من نفسها، قالت إنها تحلم بأن تكون صاحبة جسم ممشوق وقدّ جميل، وأنها تتمنى لو أنها تتمكن من ردع نفسها عن تناول الطعام. لم تنتبه تلك الأم إلى أن ابنتها الصغيرة فهمت ما تريده أمها فابتعدت عن تناول الطعام «كي لا تثير قرف أمها مرة ثانية».
الحالة الأخيرة في الكتاب هي الأكثر تعقيداً، إنها قصة طفلة تعاني مشكلات متنوعة وسلوكها غريب وعنيف، رغم مظهرها الجميل.
الطفلة في حاجة دائمة لمن يحضنها رغم حب أبويها الكبير لها واهتمامهما بها. الوالدة في المقابل عانت الإهمال، ابتعد أبواها عنها، رمياها في مدرسة داخلية دون سبب وتفرغ كل منهما إلى حياته الخاصة، وهي قليلاً ما تتلقى اتصالاً منهما. الحنان الذي تبحث عنه الطفلة هو ما فقدته أمها.
هذا قليل مما جاء في كتاب كرامير الذي يشرح كيف تفهم الابنة ما ترغب به والدتها دون أية حاجة للكلام أو الشرح الطويل... إنها أسرار النساء تنتقل دائماً من الأم إلى الابنة وبينهما لغة العيون والإشارات وكل ما يختزن «اللاوعي».