بيار أبي صعبلا شيء يعكّر هدوء الصيف التونسي، حسب ما يتراءى للناظر من بعيد إلى بلاد الطاهر حدّاد وفرحات حشّاد. «تونس تغنّي وترقص»: مهرجانات الصيف تعرف نجاحاً ملحوظاً، والشواطئ ملأى بالسيّاح والمصطافين... والرئيس زين العابدين بن علي يستعد لولاية خامسة في قصر قرطاج. كلّ شيء على ما يرام... لولا حفنة من مثيري الشغب الذين يفسدون صفاء المشهد. إنّهم أهل قفصة المعروفة بتقاليدها النقابيّة والعمّالية، في الجنوب التونسي حيث مناجم الفوسفات، ومعقل المتمرّدين تاريخيّاً على السلطة المركزيّة.
منذ مطلع العام والانتفاضة مستمرّة في مركز الولاية ومدن الجوار، بعدما نزل الأهالي إلى الشارع، مطالبين بألا تكون فرص العمل في «شركة مناجم الفوسفات»، حكراً على أبناء كوادر النظام وأعوانه. عرفت الأحداث ذروتها في شهر حزيران/ يونيو الماضي الذي شهد تحركات شعبيّة واجهتها قوى السلطة ببطش وعنف. وخلال الأسبوع الماضي، قمعت حملات الاحتجاج الشعبيّة في الرديف، فانضمّت زكيّة الضيفاوي، المناضلة في «التكتل الديموقراطي من أجل العمل والحريات»، إلى قائمة المعتقلين، بدءاً بقائد التحرّك عدنان الحاجي.
المتظاهرون لم يفعلوا سوى التعبير سلميّاً وديموقراطيّاً عن حقّهم في العمل، في منطقة تعاني من الفقر والإهمال، وتشهد بطالة مرتفعة ولا سيّما في صفوف المتخرّجين الشباب. لكنّ ردّ الفعل العنيف يفضح خوف النظام الذي يتبجّح العالم باستقراره، وبـ«نجاحه في وقف المدّ الأصولي»، من أن تنتشر عدوى قفصة إلى سائر أنحاء البلاد... فتسلّط الأضواء على المناطق المهمّشة الفقيرة، وعلى انعدام فضاءات التعبير السياسي والنقابي...
لعلّه أوّل تمرّد شعبي يقضّ مضجع الرئيس التونسي بهذا الشكل، منذ وصوله إلى السلطة سنة ١٩٨٧. وذلك في منطقة مشاكسة يعرفها جيّداًً: فقد كان لا يزال مديراً عاماً للأمن الوطني في عهد بورقيبة، حين واجه ما عرف بـ«أحداث قفصة» (١٩٨٠)... ويُقال إنّه فشل في قمع التمرّد يومذاك. لكن الأيّام تغيّرت: «صديقنا بن علي» ــــ حسب عنوان كتاب للفرنسيين نيكولا بو وجان بيار توكوا (عرّب عن «دار قدمس» في دمشق، ٢٠٠٥) ـــــ صار أكثر «مهارة» في هذا المجال. وهو يتمتّع بتواطؤ الديموقراطيّات الغربيّة التي ما زالت ثقتها كاملة بصديقها وحليفها.