في تشرين الأول 2007 أضرب الإسلاميون في سجن رومية عن الطعام، فلبّت السلطة مطالبهم. صباح امس بدأ عدد منهم إضراباً مماثلاً مطالبين بالإفراج الفوري عنهم. فهل ينجحون هذه المرة أيضاً؟
حسن عليق
سجن رومية من جديد. موقوفون إسلاميون فيه أعلنوا إضرابهم عن الطعام ولم يتسلّموا صباح أمس أي أطعمة أحضرها لهم ذووهم الذين جاؤوا لزيارتهم. ويبدو التحرك في يومه الأول مصمِّماً على الوصول إلى مطلب واحد: الإفراج عن 285 موقوفاً لم تنتهِ محاكماتهم أو لم تبدأ بعد.
وأصدر المضربون عن الطعام بياناً أمس رأوا فيه أن الأوان قد آن «لوقف هذا المسلسل الوحشي الجائر بحق طائفة بأكملها، لا ذنب لأبنائها إلا أنهم لم يرتضوا الذل والهوان لهم ولطائفتهم الكريمة، فما كان مصيرهم إلا أن ألقوا في غياهب السجون». وطالب الموقوفون في بيانهم المسؤولين بأن ينظروا في مصير مئات الشباب المسلم الذين «لفّقت لهم التهم الباطلة تحت مسمى الإرهاب، وفي أصعب الظروف وأشنع أساليب التعذيب».
وأعلن المسجونون بدء إضرابهم عن الطعام «حتى إطلاق سراحنا أو أن نهلَكَ دونه»، نافين ما أوردته بعض وسائل الإعلام من أن المطلب هو الإسراع بالمحاكمة، مؤكدين بالمقابل أنهم لم يرتكبوا أي جرم ليحاسَبوا عليه، «غير أن لبنان لم يعد، ربما، يتسع لأهل السنة».
المسجونون الإسلاميون الذين تضخّم عددهم خلال السنتين الماضيتين ليلامس الـ400، بينهم ما يزيد على 350 موقوفاً من جنسيات مختلفة، أكثرهم لبنانيون. ويُسجَن العدد الأكبر منهم (نحو 310) في جناح خاص يقع في الطبقة الثالثة من مبنى الموقوفين «ب»، ويعرَف باسم جناح «ذوي الحساسية الأمنية».
وينقسم الإسلاميون في سجن رومية على المستوى العام إلى قسمين: المحكومون والموقوفون. يضم المحكومون مَن أوقِفوا قبل عام 2004 في قضايا متعددة بدءاً بمحاولة تفجير في البلمند عام 1993 حتى تفجير الماكدونالدز عام 2002 وما تلاه من توقيفات، مروراً بالمحكومين بتهمة اغتيال الشيخ نزار الحلبي منتصف التسعينات.
أما الموقوفون، فقد بدأ أكثرهم بدخول السجن ابتداءً من عام 2005، وبالتحديد منذ الكشف عمّا بات يُعرَف بمجموعة الـ13 المتَّهم أعضاؤها بالانتماء إلى تنظيم القاعدة، وعلى رأسها حسن نبعة (المشتبه في أنه أمير القاعدة في بلاد الشام). وإضافة إلى هذه المجموعة، توجد في رومية الشبكة المتهمة بتفجير قنبلة في ثكنة للجيش في بيروت بداية عام 2006، فضلاً عن المجموعات التي اتهمت بالانتماء إلى فتح الإسلام أو القاعدة، أو مساندة أحد التنظيمين، مثل مجموعتي عدنان المحمّد والأوستراليين في طرابلس، ومجموعات القاسمية وصيدا وإقليم الخروب المتهم بعضها باستهداف القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، وبإطلاق صواريخ باتجاه فلسطين المحتلة. ويُضاف إلى هؤلاء موقوفو البقاع الغربي المتهمون بتخزين السلاح لدعم المقاومة في العراق، فضلاً عن شبكة بر الياس المتهمة بالارتباط بالقاعدة، والتي يرأسها السعودي فهد المغامس، والمجموعة المتهمة بالإعداد لمحاولة اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
والمضربون عن الطعام هم موقوفون بدأت محاكمة بعضهم من دون إصدار أحكام قضائية بحقهم، أو ممّن لم يُحالوا على المحاكم بعد. ويبلغ عدد هؤلاء 285 إسلامياً يؤكدون أنهم لم يتورطوا بأي عمل عسكري داخل الأراضي اللبنانية، وما فعلوه ليس أكثر من الدعم اللوجستي للمقاومة العراقية، أو إطلاق صواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وحتى مساء أمس لم يكن المضربون عن الطعام قد ألّفوا قيادة تفاوض باسمهم، بل وضعوا هذه المهمة على عاتق أهاليهم.
مطلعون على أوضاع السجون اللبنانية رأوا أن من الملحّ الإسراع بمحاكمة الموقوفين الإسلاميين لما يمثّل ذلك من ضرورة إنسانية، وخاصة أن توقيف بعضهم حصل منذ أكثر من سنة من دون أن يصدر أي قرار قضائي بحقهم.
وقد أصدر الوزير السابق بشارة مرهج بياناً باسم «تجمع اللجان والروابط الشعبية» دعا فيه الرؤساء الثلاثة إلى «التحرك الفوري والاطلاع على هذا الملف الإنساني والاجتماعي والقانوني الخطير، وبالتالي إحالة كل الموقوفين على محاكمة عادلة وسريعة».
من ناحيته، أكّد مرجع أمني رفيع لـ«الأخبار» أنه كان قد بذل جهوداً، بالتنسيق مع القضاء اللبناني والمرجعيات السياسية، لإطلاق عدد كبير من هؤلاء الموقوفين، وخاصة ممن لم يكونوا في عداد المقاتلين في «فتح الإسلام»، وممن لا توجد حولهم شبهات بالاشتراك بأعمال مخلّة بالأمن في لبنان. وأضاف المرجع إن هذه المساعي لم تؤدّ إلى نتائج سريعة، لذا، «فإن ما حدث أمس كان متوقعاً إلى حد ما».
وتجدر الإشارة إلى أن الموقوفين والمحكومين الإسلاميين في رومية نفذوا إضراباً عن الطعام في تشرين الأول 2007 احتجاجاً على ما رأوا أنّه تدنيس لمقدساتهم داخل السجن، ومطالبين بمساواتهم بغيرهم من السجناء لناحية مدة زيارات الأهل وإدخال الأطعمة المسموح بها والخروج إلى النزهة في باحات السجن. وبعد أكثر من 20 يوماً على بدء الإضراب، فتحت السلطات تحقيقاً وأبدِل الضابطُ آمر مباني الموقوفين، قبل أن تساوي الإدارة المسجونين الإسلاميين بباقي السجناء لناحية المطالب الأخرى.
هذا في نهاية 2007، أما اليوم، فمعركة الموقوفين أصعب. «لكن الانتخابات النيابية على الأبواب»، يلفت متابعون لصيقون لأوضاعهم.