إيلي شلهوبدخلت العلاقات اللبنانية ــــ السورية عملية إعادة تموضع على سكة خرجت عنها قبل أكثر من ثلاث سنوات، بلغت خلالها حدّة التوتر بين البلدين مستويات غير مسبوقة، وحبلت خلالها النفوس بمشاعر لم يألفها الشعبان في تاريخهما.
مناسبة تفترض من الجانبين التعالي على نكء جراح الماضي، حتى خلال العمل على حل الملفات العالقة، وفي مقدّمها قضية المفقودين وترسيم الحدود والمزارع والإطار الناظم للعلاقات. لكنها تقتضي، في الوقت نفسه، وقفة تأمّل تمنع تكرار التجربة المرّة بين بلدين يجمعهما التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والاجتماع واللغة ووحدة المسار والمصير.
ليس المراد هنا تحميل سوريا مسؤولية ما جرى. لكنها، بصفتها «الشقيقة الكبرى» التي حكمت لبنان لعقود اكتوى خلالها بالحروب، تحمل العبء الأكبر، ومطلوب منها الإجابة عن مجموعة من التساؤلات الضرورية لتحصين «العودة»:
لماذا تهاوى «الحلفاء» الكثر، وسارعوا إلى نقل البندقية، عند خروج آخر جندي سوري من لبنان؟ لماذا عجزت سوريا، خلال ثلاثة عقود من وجودها المباشر في لبنان، عن خلق حالة شعبية تحفظ لها «جميلها» وتقدّر لها «تضحياتها»؟ هل تدرك دمشق أن مئات الآلاف من الذين قالوا لها «شكراً» يوم 8 آذار الشهير، لم يفعلوا ذلك من باب «الوفاء» فقط، بل محفّزين باستقطاب سياسي غير مسبوق، وكانوا يحملون في صدورهم عتباً جمّاً عليها؟
بل أكثر من ذلك. كيف تفسّر سوريا أن أحد التيارين الرئيسيين اللذين أمّنا لها هذه العودة المشرّفة، بقي نحو عقدين العدو الأول لها، فيما عانى الثاني الأمرّين من طاقمها اللبناني حتى استبداله عام 2002؟
لا شك في أن دور سوريا غير المعلن خلال عدوان تموز، والذي يجعلها عن حق شريكة في النصر، قد حجب العديد من الأخطاء السابقة. ولا شك أيضاً في أنها تجربة، مدعّمة بالجهود السورية في تعزيز المقاومة وإنجاح اتفاق الدوحة، يمكن البناء عليها.
يبقى الأمل أن يدرك المعنيون أن تحصين العلاقات لا يتم إلا من خلال توفير المصالح المتبادلة للجانبين، بعيداً عن النمط «المافياوي»، ووفقاً لبرنامج واضح وآليات فاعلة، يؤطرها توافق على الرؤى الاستراتيجية وعلى موقع الطرفين في الصراع الذي يُدمي المنطقة.