يتفرّغ علي حليحل منذ حرب تموز لصناعة الطائرات الحربية بعدما رأى هول ما أحدثته من دمار. يحلم الشاب الأصم أن يحوّل طائراته الصغيرة إلى أسلحة تساعد لبنان على مواجهة العدو. يملك علي معلومات كثيرة عن جميع أنواع الطائرات ومواصفاتها وإمكاناتها التدميرية إلى جانب حسناتها وسيّئاتها
بعلبك ــ عبادة كسر
رغم أنه لم يسمع لها صوتاً قطّ، فقد كان لحرب تموز ومجازرها صدى كبير في حياة علي كمال حليحل. فهو أصمّ ولم يعرف من الطائرات الحربية إلا شكلها وصواريخها وفعاليتها المدمرة. يبلغ علي، ابن مدينة بعلبك، ثلاثة عشر عاماً، وقرر بعد حرب تموز مباشرة أن يتفرغ لصنع الطائرات الحربية بعد أن رأى ما أحدثته من دمار. بدأ خطوته الأولى بصناعة مئات الطائرات الحربية الخشبية. يقول علي بلغة تكاد تكون شبه مفهومة ممزوجة بإيماءات: «أصنع الطائرات حتى يتسنى لي أن أجري عملية زرع عصب السمع التي تكلّف أكثر من 36 ألف دولار أميركي، والسبب الثاني لأساعد بلدي في المستقبل حتى يحصل على أسلحة للجو». تشكل صومعة علي عالمه الخاص ومصنعه الصغير، وتنحصر اهتماماته على الشاشة الصغيرة بمتابعة الأفلام الوثائقية عن الطائرات الحربية، إضافة إلى البحث عن الموضوع في الكتب وسائر الوسائل الإلكترونية التي تدور في فلك الطائرات الحربية.
تفوق معلومات علي عن الطائرات من يكبرونه سنّاً، فعالمه المعرفي يفوق عمره بكثير. وما يسرّه من الأحاديث هو تلك التي تحوي معلومات عن طائراته الصغيرة. تؤكد والدته منى أن علي فائق الذكاء، وتقول :«عندما ينجز أي طائرة لا يسمح لأحد بلمسها، إذ يراها اختراعاً خاصاً به». وتشرح أنّ حرص ولدها على ما يصنعه ليس بهدف تجميع المال الكافي لإجراء العملية، بل لعرض منتجاته وتطويرها، فهو يخطط الآن لصناعة طائرة «ميراج» عملاقة.
ويحلم علي باختراع نوع جديد من الطائرات، فيقول: «أنا أفكر اليوم بأن أخترع طائرة حربية حديثة. ربما أقوم بدمج طائرة 27S وميراج 3». ويرفض علي الإفصاح عن التفاصيل كي يبقى مشروعه طي الكتمان.
يرغب علي في أن يكون ضابطاً في سلاح الجو اللبناني للدفاع عن الوطن. وهو يطير بطائراته الافتراضية إلى عالم الأحلام التي يصرّ على أنها سوف تصبح حقيقة بعد أن يبيع طائراته ويجري العملية ويكمل تعليمه ويسافر إلى الدول المصنّعة للطائرات الحربية. ويؤكد أنه لو كان لبنان يصنع الطائرات، لما فكّر بالسفر، «ولكن عندي أمل بأن أمثالي سوف يسهمون بتحويله إلى بلد متقدم في هذا المجال».
يختزن علي الكثير من المعلومات في ذاكرته. وما إن يُسأل عن أي نوع من الطائرات الحربية القديمة والحديثة يكون جوابه حاضراً عن مواصفاتها وإمكاناتها التدميرية، وكم تحمل من الصواريخ، وهل يستطيع الرادار اكتشافها...؟ ويسخر من أقدم طائرة حربية استخدمها هتلر في الحرب العالمية الأولى 51B، التي تحمل قنبلة واحدة فقط، وسرعتها البطيئة جداً بحيث تستغرق في التنقل بين بلدين متجاورين أكثر من 9 ساعات.
يتابع علي كل ما يستطيع إيجاده من مقالات مكتوبة وتقارير تلفزيونية وأشرطة ووثائقيات عن الأسلحة التي استخدمتها الولايات المتحدة الأميركية في حربها على العراق واحتلالها له. ويتوقف عند طائرة 52B التي استخدمتها أميركا في قصف أفغانستان، كما أن للعدو الإسرائيلي وعدوانه الأخير على لبنان محطة خاصة في ذاكرة علي، فهو لا ينسى مجزرة قانا، ومجزرة مروحين، ومجزرة القاع ... لذا يريد أن يبتكر أنواعاً جديدة من الطائرات تدافع عن الوطن.
أما المواد التي يصنع منها علي طائراته فهي تقتصر على الأخشاب التالفة وقطع الحواسيب المختلفة التي تعطلت، وبعض الطلاء. وهكذا يسهم علي في حماية البيئة كما يقول: «بدلاً من أن تسهم هذه الأغراض في الضرر والتلوّث، فإنني أستخدمها في صناعة طائراتي».


عالم خاص

ترافق لبابة شقيقها علي بكل خطواته، فقد خضعت لعملية زرع عصب منذ فترة، واضطر الشقيقان لترك المدرسة لعدم تمكنهما من التماشي مع نمط المدرسة العادية لغياب مدارس لذوي الاحتياجات الخاصة في بعلبك. وتتولى الوالدة إعطاءهما الدروس في المنزل. تعيش لبابة وعلي عالماً خاصاً بعيداً عن تطفل الدخلاء، فلبابة تريد أن يكون علي ناجحاً ليتخطى محنته، وخصوصاً بعدما طلب منه طبيبه أن يشغل نفسه بعمل مفيد، وبحرقة الشقيقة تقول لبابة: «أنا لا أريد أن أسترجع سمعي وأخي لم يستطع ذلك». لذا ناشدت لبابة مساعدة شقيقها لإجراء العملية، ولا سيما أن الأهل لا يستطيعون تكبّد نفقاتها. يذكر أنّ علي ولبابة كانا بطلي الفيلم الوثائقي «صرخة ألم من بعلبك» للمخرج محمد ياغي.