عصام نعمان *يقولون إنّ المقاومة الفلسطينية انتهت. يدلّلون على ذلك بلجوء أنصار «فتح» من عائلة حلّس إلى إسرائيل. فقد أصبح الكيان الصهيوني ملاذاً للفلسطينيين أنفسهم، بل إنّ حكومة إسرائيل أسهمت، حسب زعمها، في إنقاذ الفلسطينيين من أنفسهم حرصاً منها على حقوق الإنسان. وفيما كانت شرطة حكومة إسماعيل هنية تحقّق في غزة مع أفراد من آل حلّس حول علاقتهم بالتفجيرات الإرهابية التي شهدها شاطئ غزة، كانت شرطة حكومة إيهود أولمرت تحقق مع القيادي في «فتح» أحمد حلس (الذي فرّ إلى إسرائيل) في سجن عسقلان ربما لتعاونه مع مجاهدي «حماس» في مقاومة إسرائيل انطلاقاً من «حي الشجاعية».
مع هذا المشهد المضحك المبكي، المثقل بالكلمات المتقاطعة، يميل فريق من المحللين إلى الجزم بأن المقاومة الفلسطينية انتهت.
الحقيقة أنّ المقاومة لم تنتهِ ولن تنتهي. ما انتهى هو «النظام» الفلسطيني، لا المقاومة الفلسطينية. كنا نحسب أنّ النظام الفلسطيني هو فقط جماعة من «فتح» موالية لمحمود عباس ومقيمة في رام الله. كما كنا نحسب أنّ قطاع غزة قد «تحرر» من نظام عباس وأضحى في حمى «حماس» التي لا تتوخى إقامة نظامٍ فيه، بل منع تحويله على يدي محمد دحلان توأماً سيامياً للنظام في رام الله. اليوم يتضح أن قسماً من «حماس» تحوّل، رغماً عنها ونتيجة ضغوط إسرائيلية وأميركية وعربية معادية، نظاماً محكوماً عليه بمحاكاة نظام عباس في بعض تدابيره الأمنية. لماذا ؟ للمحافظة على الذات، لا أكثر ولا أقل.
إن المهمّة الأولى للنظام السياسي هي البقاء... بأيّ ثمن وفي كل الظروف والأزمان. صحيح أنّ المقاومة كتنظيم وكفعل جهادي يهمّها البقاء. لكن البقاء في سلوكية المقاومة هو من أجل الجهاد وتوليد المزيد من المقاومة.
أما النظام السياسي فإن الدافع الأساس لبقائه هو السلطة أو المحافظة على السلطة من أجل ممارستها «والاستمتاع» بها.
اليوم يمكننا الاستنتاج بأنّ النظامين الفتحاوي والحمساوي يتشابهان في أمرٍ ويختلفان في آخر. يتشابهان في أنّ كلاًّ منهما نجح في المحافظة على نظامه، لكن بثمن مرتفع. غير أنهما يختلفان في أنّ «فتح» خسرت مقاومتها، أو كادت، فيما «حماس» ما زالت تحافظ، ولو بثمن غالٍ، على مقاومتها. وإذا ما استمر «الشتات» الفلسطيني الداخلي على حاله، فإن «فتح» مرشحة لخسارة نظامها وما بقي من فعاليتها القتالية، كما إنّ «حماس» مُهَدَّدَة بخسارة «نظامها» ومقاومتها معاً.
وإذا ما خسرنا «فتح» و«حماس»، ماذا يبقى من المقاومة الفلسطينية في هذه المرحلة؟
ما هو المخرج من الأزمة؟
إذ تبدو القضية والمنظمة والسلطة في حال بائسة، وشعب فلسطين في حال إحباط وضياع، فإن البحث في منهج الخروج من الأزمة إلى الحل يجب أن ينطلق من حقيقة ساطعة هي ضرورة التلازم في إعادة بناء القضية والمنظمة معاً، بمعنى أنّه لا سبيل ولا جدوى من إعادة بناء المنظمة إن لم يسبقها أو يرافقها على الأقل جهد مكثّف لإعادة بناء القضية. ذلك أنّ أحد الأسباب الرئيسية لتصدّع المنظمة وتراجعها إنما هو تجويف الميثاق الوطني الفلسطيني، بما هو روح القضية وعنوانها، بسلبه مضمونه التحريري الثوري المقاوم وتحويله مجردَ برنامج مرحلي لتنظيم سياسي عامل في ظل الاحتلال، يسعى من خلال المفاوضة، لا المقاومة، إلى توسيع صلاحيات سلطة الحكم الذاتي.
إن الطلاق شبه البائن بين ميثاق المنظمة المفرغ من مضمونه التحريري الثوري المقاوم وسلوكية السلطة الفلسطينية المهادنة لحكومة إسرائيل من جهة، وتمسك بعض التنظيمات بنهج المقاومة ضد الكيان الصهيوني من جهةٍ أخرى أدّيا، من بين أسباب أخرى، إلى شلّ المنظمة وتعطيلها، الأمر الذي أساء إلى أصالة القضية ومركزيتها. من هنا تنبع ضرورة إعادة بناء القضية في وعي جمهورها الفلسطيني ووعي الأمة على النحو الآتي:
ــ إن مركزية القضية شرط لبقائها حيّة ولتوسيع قاعدة جمهورها، وبالتالي لضمان أولويتها وفعاليتها بين قضايا العرب والمسلمين.
ــ لعل السبيل الأفضل والأجدى لإعادة توكيد مركزية القضية إنما يكمن في توضيح مركزية إسرائيل في نظام الأمن الإقليمي للمنطقة ودورها المركزي في خدمة استراتيجية الولايات المتحدة في المحافظة على أمن مصالحها النفطية وما يتطلبه ذلك من إضعاف للكيانات السياسية العربية المحيطة جغرافياً بالكيان الصهيوني.
ــ يقتضي أن يتأسس على هذا الربط بين مركزية دور إسرائيل الأمني والتفكيكي في المنطقة وحاجة الولايات المتحدة إلى دورها هذا في حماية مصالحها النفطية، ربطٌ مقابل بين المقاومة لتحرير فلسطين من الصهيونية من جهة، والكفاح من أجل تحرير المنطقة من الهيمنة الأميركية من جهةٍ أخرى، وصولاً إلى إقامة الدولة العربية الاتحادية بما هي القوة الإقليمية المركزية الكفيلة بحماية أمن دول المنطقة وحريتها ومصالحها ونمائها.
في ضوء هذا الفهم الاستراتيجي لقضية فلسطين ومركزيتها في حياة العرب والمسلمين، يقتضي الشروع في إعادة بناء منظمة التحرير وفق الأسس الآتية:
ــ المنظمة هي الكيان الوطني الحقوقي والسياسي لشعب فلسطين والأم الحاضنة والمربية لكوادر دولته الديموقراطية المستقلة.
ويُعاد بناء المنظمة وفق الأسس الإجرائية الآتية:
أ ـ تتوافق القوى الفلسطينية الحية على تأليف لجنة وطنية تحضيرية مؤلفة من 12 شخصية مستقلة من بين أعضاء الاتحادات النقابية والمهنية الذين لا يشغلون ولم يسبق لهم أن شغلوا مناصب قيادية مدنية أو عسكرية في المنظمة أو في السلطة، مهمتها إجراء أوسع المشاورات من أجل وضع نظام القواعد الإجرائية لانتخاب أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني.
ب ـ ترفع اللجنة التحضيرية مشروع نظام القواعد الإجرائية لانتخاب أعضاء المجلس الوطني إلى اللجنة التنفيذية للمنظمة للمصادقة عليه واعتماده.
ج ـ يُستحسن أن يرتكز نظام القواعد الإجرائية لانتخاب أعضاء المجلس الوطني على أساس أن يقوم الفلسطينيون حيثما يوجدون، بالتصويت للوائح مرشحين بعدد أعضاء المجلس كحدّ أقصى، مؤلفة من محازبين لتنظيمات معينة أو لمستقلين خارج التنظيمات، أو للوائح ائتلافية تضم محازبين ومستقلين، على أن يؤلف شعب فلسطين كله بشتى مجتمعاته وجماعاته وأفراده دائرة انتخابية واحدة، وأن تُحتسب نتائج الاقتراع على أساس قواعد التمثيل النسبي لتأمين صحة التمثيل الشعبي وعدالته.
ه ـ يُدعى الأعضاء المنتخبون إلى الاجتماع خلال مدة أقصاها شهران من تاريخ إعلان النتائج، فيقوم أول مجلس وطني فلسطيني ذي طابع تأسيسي ديموقراطي في تاريخ فلسطين المعاصر.
و ـ للمجلس الوطني الجديد أن يعدّل النظم الإجرائية المعتمدة في انتخاب رئيسه وأعضاء مكتبه وانتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية وسائر الهيئات المنبثقة منه أو أن يقوم بتفعيلها كما هي لضمان الغاية المتوخّاة منها.
ز ـ تنظر اللجنة السياسية المنبثقة عن المجلس الوطني في التقرير السياسي، والتوصيات المقترح اعتمادها، المقدم من اللجنة التحضيرية وتُجري عليه التعديلات اللازمة قبل عرضه على الهيئة العامة للمجلس من أجل مناقشته وإقراره.
ح ـ يُستحسن أن يتضمن تقرير اللجنة التحضيرية وبالتالي التوصيات المراد إقرارها من طرف المجلس الوطني موقفاً يعلن عدم ثقته بتركيبة السلطة القائمة وبالحكومتين القائمتين في رام الله وغزة، وتكليف اللجنة التنفيذية للمنظمة الاضطلاع بمسؤولية مراقبة وتوجيه الحكومتين القائمتين بتصريف الأعمال لحين تأليف حكومة وطنية جامعة وفق ما يجري إقرارها في المجلس الوطني واعتماد مناهجها وإجراءاتها في اللجنة التنفيذية للمنظمة. كما يجب على التقرير أن يتضمّن إعلاناً عن عدم التزام المنظمة بأي اتفاق مع حكومة الكيان الصهيوني سابق لتاريخ انتخاب المجلس الوطني الجديد.
* وزير سابق