صور ـ آمال خليلمن الطبيعي أن يمتثل، حتى القتال في صور، للترفيه والألوان وحسابات الربح والخسارة. فهذه المدينة التي نذرت نفسها لإرضاء السيّاح والفرحين و«محبي الحياة» على شواطئها وبحرها ومطاعمها وحفلاتها الساهرة ومال أبنائها المغتربين الوفير، وفّرت مكاناً للمعارك.. لكن بطلقات الكرات الملوّنة.
على قطعة أرض، كانت زراعية، تقع بين مجمع باسل الأسد الثقافي حيث معارض الرسم والندوات والأمسيات الفنية والشعرية النخبوية، وبين منتجع نابليون المفتتح أخيراً و«نوشن نايت كلوب»، اللذين يقدمان عروضاً فنية يحييها على سبيل المثال ماريا وراغب علامة ومي حريري، تتصاعد يومياً أصوات الرشاشات والدخان والصراخ في استعادة لفصول حرب الشوارع أو الجبهات.
فقد قرّر الشاب محمد عز الدين تحويل الحقل إلى ساحة معركة بين محورَيْ الخير والشرّ، يتقاتلان بالسلاح الحيّ، تفصلهما الدشم وأكياس الرمل والدواليب والآليات العسكرية المحروقة في إطار اللعبة الأميركية Paint Ball، نسبة إلى الرصاص البديل المستخدم في القتال المتبادل بكرات صغيرة يخرج منها طلاء ملوّن عندما تصيب الجسم. علماً بأن الأسلحة المستخدمة حقيقية لكنها معدّلة صناعياً لاستبدال الذخيرة الحيّة بالكرات.
اللعبة التي تعرّف إليها عز الدين في دبي ثم في الضاحية الجنوبية، تقسم إلى ثلاثة أقسام أولها القتال بواسطة سلاح «الأخمس» بين فريقين يلبسان البزات العسكرية الكاملة. والنصر والهزيمة يحددهما عدد «قتلى الطلاء» بين الطرفين، الذي يقاس بالإصابات في القسم العلوي من الجسم. وثانيها معركة العلم الواقع في المساحة الوسطية المتنازع عليها، ومن يستطع الحصول على العلم وفي مرحلة لاحقة رفعه على القلعة التي تتوسط تلك المساحة ينتصر. أما ثالثها فهو الأسر حيث ينتصر من يأسر عدداً أكبر من جنود العدو.
وبما أن محمد شاب جنوبي من دير قانون النهر نشأ في القسم اللبناني المفطور على القتال ولا تخلو أسرة يعرفها من عسكري، فإن ذلك قد يكون من المسببات لقراره استقدام الحرب إلى «كرم منطقته». إلا أن الدافع تجاري أولاً وأخيراً بعدما لاحظ أنّه «في كلّ مكان في الضاحية، على من يرغب في المشاركة في اللعبة، الحجز مسبقاً قبل شهر وأكثر لكثافة المقبلين على القتال، علماً بأن رسم الدخول لا يقل عن 20 دولاراً للشخص الواحد تزيد مع الوقت الإضافي عن الساعة ونصف لكل معركة». وإذ تمكّن من الاستحصال على رخصة من البلدية رغم الشكاوى المستمرة من جيرانه في البيوت السكنية المحيطة، اختار محمد افتتاح الموسم بالتزامن مع بداية الصيف وعودة المغتربين، واعداً بمراعاة كلّ الشرائح الراغبة في ممارسة اللعبة ولا تملك الثمن.
الكلّ راغب في القتال، إن لم يكن حقيقة فلعباً. ويقول محمد إن في لعبته ميزة إضافية عن سواها في المناطق الأخرى وهي الإقبال الكثيف للفتيات. إقبال لا يفصله عن «إطار المجتمع اللبناني وبديهية السلاح، لكنه ذكوري في كل الأحوال حيث تضطر إناثه إلى تفريغ رغباتهن ولو في إطار اللهو واللعب».