يحتاج البعض، لأسباب أمنية، إلى تمويه زجاج سياراتهم لاتقاء أن يعرفهم مستهدفوهم. لكن للزجاج المموّه «منافع» أخرى، تتراوح بين القيام بأعمال مخلة بالقانون، وصولاً إلى التشبيح وإخفاء العلاقات الغرامية
أسامة القادري
لم يكن المقاتلون وأسلحتهم وأجهزة اتصالهم المحركات الوحيدة للمعارك المتنقلة التي شهدتها منطقة البقاع في الشهرين الماضيين. فإلى جانب هؤلاء، أدّت السيارات المجهزة بزجاج حاجب للرؤية دوراً بارزاً في هذه الأحداث، بحسب ما ذكر أكثر من مصدر أمني.
وأصحاب السيارات لا يكتفون بتمويه النوافذ الجانبية، بل يمدّدون اللاصق الأسود إلى الزجاج الأمامي، فتغدو السيارة صندوقاً أسود متنقلاً، لا يتمكن أحد من سبر أغوارها.
وخلال السنوات الماضية، استسهل مواطنون تحصيل تراخيص من وزارة الداخلية لـ«تفييم» سياراتهم، حتى وصل عددها بحسب بعض المصادر إلى نحو 1900 سيارة مجهزة بزجاج حاجب للرؤية.
مصادر أمنية أشارت إلى أن «كل العمليات العسكرية والاشتباكات التي وقعت في البقاع خلال الأشهر الماضية كان للسيارات المموهة الزجاج دور كبير فيها». وأضافت المصادر إن إفادات الشهود أشارت إلى أن «مفتعلي الخلافات والاشتباكات» يعتمدون في تنقلاتهم على السيارات ذات الزجاج القاتم، مؤكدة أن الوسيلة نفسها استُخدمت في جميع عمليات إحراق السيارات التي يملكها مناصرون لتيار «المستقبل» أو لـ«حزب الله» في بلدتي سعدنايل وتعلبايا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عمليات إحراق المحال التجارية في منطقتي بر الياس والمصنع.
وعددت المصادر أكثر من حادثة أدت إلى مقتل مواطنين مدنيين استُخدمت فيها السيارات المموّهة، كما حصل في منطقة بر الياس عند مفرق المرج ــ البقاع الغربي، عندما أطلق مسلحون النار من سيارة مموّهة الزجاج مما أدى الى مقتل فاطمة المظلوم شكر، وهي على شرفة منزلها ومقتل محمد الطقش وجرح ولديه أثناء مروره بالوقت نفسه. وكذلك في بلدة الصويرة عندما أقدم مجهولون يستقلون سيارة بزجاج قاتم على رمي قنبلة وسط البلدة وإحراق سيارة أحد المواطنين.
ورغم الأحداث المتكررة، ما زالت هذه السيارات تجوب شوارع البلدات البقاعية، وأصبح المجهول منها يبث الخوف في نفوس أبناء المنطقة. وكل من التقتهم «الأخبار» طلبوا عدم ذكر أسمائهم خوفاً من ردات فعل أصحاب الصناديق السوداء.
هذا الخوف دفع ع. ن. في بلدة تعلبايا إلى محاولة تقصي أهداف أصحاب السيارات «المفيمة» الذين يقصدون حيه. وعندما تحرى عن هوية صاحب إحدى هذه السيارات ونيّاته، فوجئ بأنه يملك 6 سيارات «مموهة» يبدّلها في كل زيارة له إلى الحي بهدف لقاء إحدى الفتيات.
لا يختلف الوضع على طريق بر الياس الدولي، حيث استغرب أحد القاطنين في المنطقة من «مكوكية» سيارة لا تفارق الطريق ذهاباً وإياباً، من دون أن يعرف من في داخلها. تخوفه من أي حدث أمني قد يستهدف أحداً في الحي أوقعه في خلاف مع سائق إحدى السيارات التي تبين أن راكبها هو من أفراد أحد الأجهزة الأمنية الرسمية، وأنه كان مكلفاً استطلاع الطريق.
أما بعض أصحاب السيارات فلهم كلام آخر. م. ع. قام بعدة وساطات ليحصل على ترخيص يجيز له التنقل بسيارة زجاجها قاتم. والهدف من ذلك، كما يقول، علاقته بإحدى الفتيات وخشيته من انفضاح أمره أمام زوجته. أما خالد، فلم يحصّل ترخيصاً، مما كان يؤدي إلى إزالة اللاصق الحاجب للرؤية عن زجاج سيارته على كل حاجز للجيش أو قوى الأمن الداخلي، لكنه يعيد تركيبه كل مرة، لخوفه من افتضاح علاقاته العاطفية.
بالمقابل، أكّد مصدر أمني أن وزير الداخلية والبلديات زياد بارود امتنع منذ تسلمه مهماته من التوقيع على أي ترخيص لتركيب لاصق أسود على زجاج السيارات. وذكر المصدر أن بارود يدرس ملفات كل من يملكون ترخيصاً مماثلاً، تمهيداً لوضع معايير موحدة تتوضح معها الحاجة العملية لتمويه زجاج السيارة، وذلك عبر وضع استمارات موحدة تُرفَق بطلب نيل الترخيص.