ليست حاسة التذوّق هي الدافع الوحيد لتناول الطعام. فهناك أسباب عملية وراء اختيار نوع معين من الغذاء أو مزجه بنوع آخر: حاجة الجسد إليه ليمارس وظائفه بشكل فعّال، وليعالج التلف الناتج من آلية عمل خلاياه
أسامة الخالدي*
يحتاج الجسم الإنساني إلى الغذاء لسببين، أوّلهما الحصول على الطّاقة اللاّزمة لعمله، وثانيهما إصلاح التّلف اللاّحق به باستمرار . يحصل الجسم على الطاقة من خلال حرق المواد السكرية والدهنية والبروتينية، بحيث يولّد حرق كلّ غرام من النشويات والبروتينات 4 كيلو كالوري، والكيلو كالوري الواحد (ك ك) هو الكمية اللازمة من الطاقة لرفع درجة حرارة كيلوغرام واحد من الماء بنسبة درجه مئوية واحدة.
أما حرق كيلوغرام واحد من الدهنيات، فهو يولّد 9 (ك ك).
وتستخدم هذه الطّاقة المتولّدة من حرق الأغذية في مجالات أربعة:
1 ـــ المحافظة على حرارة الجسم. ولذلك يحتاج إليها الجسم في الأيام الباردة أكثر مما يحتاج إليها في أيام الحر.
2ـــ ضخ أيونات الصوديوم إلى خارج الخلايا، وفي المقابل ضخ البوتاسيوم إلى داخلها.
3ـــ للقيام بالحركات العضلية، فالشخص الذي يقوم بأعمال شاقه يستهلك طاقة أكثر ممّن لا يتحرك.
4ـــ إصلاح التّلف الذي يلمّ دائماً بجميع الخلايا بنسب مختلفة. فالشخص العادي (70 كم) يحتاج في حالة عدم الحركة مطلقاً إلى حوالى 1200(ك ك) يومياً، وكلما ازداد حجمه، ازداد هذا المقدار. كما يزداد احتياج الجسم للطاقة كلما ازداد مجهوده العضلي.
إذا تناول الإنسان سعرات حرارية أكثر مما يحرق، فإنه يخزّن القليل منها على شكل نشويات، وخاصة في الكبد، وهذا ما يعوّض مستوى السكر في الدم الذي يحتاج إليه الدماغ لعمله، ولكن القسم الأكبر من الزيادة يخزّنه الجسم على شكل دهنيات، وخاصة تحت الجلد.
أما إذا تناول كمية من الطاقة أقل مما يحرق، فإنه يبدأ بحرق الدهنيات المخزّنة فينقص بذلك وزنه.
أما بالنسبة لموضوع إصلاح التلف، فالحقائق العلمية تشير إلى أن كل خلايا الجسم وكل مكوّنات الخلايا والمواد التي تحويها هي في حالة ديناميكية مستمرة، بحيث تتحطم باستمرار، ويعاد تركيبها، وهذا يختلف من خلية إلى أخرى ومن مادة إلى أخرى، ويقاس عمر الخلية المعينة أو المادة المعينة بالوقت الذي يتم فيه تغيير نصفها (العمر الوسطي). ويبلغ العمر الوسطي لبعض الخلايا كخلايا الجهاز الهضمي حوالى يومين، بينما يصل عمر الخلايا العصبية إلى عشرات السنين.
تحتاج إعادة تركيب للمواد المحطمة إلى وجود المواد الأولية لكل هذه المواد، كما يحتاج إلى الطاقة.
تستطيع أنظمة الجسم البشري الأنزماتية صناعة بعض هذه المواد الأولية من النشويات والبروتينات المختلفة، ولكنها تعجز عن صناعة بعضها، ولذلك تستمدّها من الطعام، وفي ما يأتي تفصيل لهذه المواد:
01 المواد غير العضوية، ومنها الأملاح: صوديوم، بوتاسيوم، كلوريد فسفات، كالسيوم بكميات كبيرة، ومنها ما نحتاج إليه بكميات أصغر كالحديد واليود والفلوريد والسلينيدم.
02 هناك بعض المواد العضوية التي نحتاج إليها بكميات صغيرة، وهي ما نسميه بالفيتامينات، وهي نوعان: تلك التي تذوب في الدّهنيات (أ، د، ي)، وتلك التي تذوب في الماء (فيتامينات ب على أنواعها وفيتامين ج).
يمكن للجسم أن يصنع بعض الفيتامينات، كفيتامين د، تحت تأثير الأشعة فوق البنفسجية، ولكننا عادةً لا نصنع منها الكمية الكافية. أكثرية هذه الفيتامينات تتحوّل في الجسم إلى مساعدة للأنزيمات co-enzymes تحفّز التفاعلات الكيميائية.
03 البروتينات الحيوانية، ومنها الإنسانية، تتألف من عشرين صنفاً من الأحماض الأمينية، يستطيع الجسم الإنساني أن يصنع 14 منها من النشويات والنيتروجين العضوي إذا توافرت لديه بكميات كافية. ولكن هنالك ستة أحماض أمينية لا يمكننا تصنيعها، ولذلك يجب أن تكون في الطعام.
يكمن أحد أوجه المشكلة في تركيب البروتين، إذ إنه يحتاج إلى وجود جميع الأحماض الأمينية في الوقت نفسه، وإلا يحطّمها الكبد ويفرز النيتروجين فيها في البول.
البروتينات الحيوانية تحتوي على جميع الأحماض الأمينية اللازمة لنا، ولكن البروتينات في أي نبات ينقصها عادة واحد أو أكثر من الأحماض الستة الضرورية.
من حسن الحظ أن هذا النقص يختلف من نبات إلى آخر، ولذلك يمكن تعويضه بأكل نوعين من النبات مكملين لبعضهما بعضاً.
كمثال على ذلك، بروتين القمح، إذ ينقصه حامض اللايسين بشكل أساسي وأحماض أخرى بشكل أقل.
ولكن الحمّص والسمسم يحتويان على هذه الأحماض الناقصة في القمح بشكل جيد، ولذلك تناول الخبز القمحي مع الحمص أو السمسم يعطي الجسم بروتيناً كاملاً، وليس من الصدفة أن يرغب البشر فطرياً بتناول خليط من هذه الأغذية.
* رئيس المركز الوطني
للتكنولوجيا الحيوية في عمان