عمر نشّابةيدفع أبناء بيروت وطرابلس اليوم ثمن جرأتهم على التعبير عن ردّة فعلهم العاطفية دون التنبّه للحسابات السياسية الداخلية والإقليمية وأبعاد تحدّيهم سوريا علناً بالصراخ والتهديد والوعيد خلال المهرجانات الجماهيرية التي كانت أشبه بالكرنفالات الاستعراضية. فبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، هبّ أبناء بيروت وطرابلس ليعبّروا عن أوجاع جراحهم التي نزفت طويلاً بعد دويّ كلّ اغتيال طال شخصاً شعروا يوماً بأنه يمثّلهم، ولو جزئياً، ويخدم مصالحهم، ولو مرحلياً. ومن عائشة بكّار حيث فُجّر موكب المفتي الشيخ حسن خالد الى ساقية الجنزير حيث قتلت رصاصات الغدر الشيخ صبحي الصالح، الى السماء فوق البحر حيث اصطيد الرئيس رشيد كرامي، وفي زواريب المدينة حيث استشهد المناضلان خليل نعوس وسليم يموت والشيخ نزار الحلبي وغيرهم، تراكمت الدموع وترسّخ اقتناع أبناء بيروت وطرابلس بأنهم مستهدفون مذهبياً، وأن هناك قوّة إقليمية تخشى انقلابهم عليها.
لكنّ أبناء بيروت وطرابلس لم يدركوا خلال التحرّكات الجماهيرية التي تلت 14 شباط 2005 أنّ محاولة الانقلاب على النفوذ السوري في لبنان عبر اتّهام نظام دمشق باغتيال الحريري كانت وهمية، رغم التشجيع الدولي الذي تعزّز بشكل واضح بعد تقديم المحقّق ديتليف ميليس تقريري لجنة التحقيق الدولية الأوّل والثاني. وما لم يدركه أبناء بيروت وطرابلس أيضاً، رغم انطلاق عمل المحقّق براميرتس في كانون الثاني 2006 بنسف مضمون التقريرين الأوّل والثاني، هو أن المعلومات التي وصفها ميليس في هذين التقريرين لن يكون تقديمها أمام المحكمة مقبولاً لأنها تفتقد القيمة القانونية التي تحوّلها الى دلائل جنائية.
وكان البعض يخطّط لقطع خطوط إمداد المقاومة في الجنوب والبقاع الغربي عبر معاداة سوريا كمصدر السلاح والصواريخ. لكن انشغال أبناء بيروت وطرابلس بعواطفهم وآلامهم وغضبهم وخوفهم منعهم من إدراك ذلك. ولم يكن صمود المقاومة بوجه آلة الحرب الاسرائيلية خلال صيف 2006 كافياً للتذكير بإرث العاصمة النضالي، بل على العكس ساهم العدوان في غرق البعض في متاهات المذهبية وزواريب العراك بين الإخوة.
أبناء بيروت وطرابلس يدفعون ثمن تعبيرهم الأعمى عن عواطفهم، لكن الثمن لا يفترض أن يكون باهظاً، فمَن مِن القيادات السورية واللبنانية لم يخطئ؟