عباس المعلم لكلّ شيء في العالم أضرار وحسنات، وخصوصاً في عالم التكنولوجيا، على الأقل يحاول كل مجتمع أن يستفيد قدر المستطاع من فوائد التكنولوجيا، لكن الأمر يختلف في لبنان، حيث يستخرج من أي تطور كان أقصى ضرر منه، لأنه تنسحب عليه عقلية اللبناني التي لا تفصل السياسة والطائفية والمناكدة عن أي شيء آخر.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ المواطنين اللبنانيين، وخصوصاً الشباب منهم يبرعون في نقل قتامة ما يعيشونه على كل صعيد إلى أشياء أخرى أهمها الإنترنت وما تفرّع عنه، على سبيل المثال «الفايس بوك».
وعلى الرغم من أن هذا المجال المذكور كان إنجازاً علمياً فريداً لشاب صغير السن استطاع أنّ يحقّق عبر بحث دراسي تطوراً علمياً، غيّر مجرى حياة من اخترعه وحياة عشرات الملايين في العالم، واستطاع كثير من الشباب تلقّفه بطريقة إيجابية، عبر ممارسة هذا الاختراع بمسار مفيد للمجتمع كما هي حال الفتاة المصرية التي استطاعت أن تدعو لإضراب عام في بلدها احتجاجاً على غلاء المعيشة في 6 نيسان، ووجهت دعوتها هذه عبر «الفايس بوك» وحقّقت صدى وتفاعلاً داخل مصر وخارجها بسرعة فائقة.
أما في لبنان، فعندما تجالس شباب «الفايس بوك» أو زعماء المجموعات المنضوية فيه، يختلف المشهد كثيراً، إذ يحدثك «أحمد» طالب جامعي يدرس الطب عن إنجازات يعتقد أنها حقّقت مكاسب أو نقاطاً لمصلحة الفريق السياسي الذي ينتمي إليه على حساب الفريق الآخر. ويقول «استطعنا أن نجمع عشرة آلاف منتسب لفريقنا على الفايس بوك تحت عنوان اسم زعيمنا بأقل من 3 أيام».
وإلى هذا الحد قد يكون الأمر طبيعياً في ظل حالة الانقسام السياسي في البلاد، لكن عندما تسأل أحدهم عن سبب سرعة انضمام هذا العدد الكبير بمدة زمنية قصيرة، فيجيب «الموضوع ولا أسهل من هيك»، كل ما عليك فعله هو أن تضع رسالة على صفحة مجموعتنا مفادها «أنّ كلباً من جماعة الزعيم أو الحزب أو التيار الفلاني تحدّاني أن أجمع في 3 أيام عشرة آلاف شخص من مؤيدي زعيمنا وينتهي الأمر، وإن وجدنا بطئاً في حركة الانضمام نعمل على وتر الدفاع المذهبي عن الطائفة والمنطقة».
وفي سياق متصل يرى «جاد» أحد طلاب الجامعة اللبنانية الفروع الثانية، أنّ موضوع الشتائم والتحدي على أنواعه عبر «الفايس بوك» تضاف إليه أمور أخرى تساعد أيضاً على توليد الاحتقان، مثل نقل مقتبسات من النشرات الإخبارية التي تتهكم أو تنال من الخصم إلى صفحات «الفايس بوك»، أو عبر طريقة أخرى هي نقل مشاهد الإشكالات المحلية في المناطق ومشاهد إطلاق النار ابتهاجاً بإطلالة الزعماء، أو عبر تصوير الزعماء السياسيين بصورة حيوان أو أشكال بشعة وكائنات غربية تؤدي برأي «جاد» إلى إشكالات بشكل مستمر في الجامعات لأن كل جامعة أو كلية لديها طلاب مشاركون في مجموعات الفايس بوك ولا يخجلون من إبراز هوياتهم على أي عمل يطال الفريق الآخر.
وحتى في القرى والمناطق والأحياء لا يختلف الأمر كثيراً عن الحياة الجامعية، بل تضيق المساحة أكثر فتهبط من المستوى السياسي والطائفي إلى الشق العائلي بين أبناء المنطقة والبلدة الواحدة، فيظهر التحدي برأي «وائل» الذي يعيش في بلدة جبلية، بإبراز قوة ونفوذ وإنجازات وماديات العائلة الفلانية على الأخرى، ويقول وائل «لو كان الأمر ينحصر بين شباب الفايس بوك أنفسهم لكانت العواقب تقتصر على بعض المشاكل الفردية وما شابه، لكن جو القرية مختلف عن المدينة، فسرعة نقل الأخبار السلبية بين العائلات تسري كالنار في الهشيم، وتؤدي في بعض الأحيان إلى صراع بين كبار القوم، وخصوصاً إذا كانت بعض الخبريات تتعلق بـ«العِرض» أو بفضيحة شرف قديمة أو حادثة قتل أو سرقة وغيرها، قد حصلت داخل هذه العائلة أو تلك».
وعندما تراجع مراقبي حالة الفايس بوك في لبنان، تجد أنهم ينظرون بسلبية عالية إلى هذا الأمر، ويحذّرون من تداعيات خطرة، يجهلها رواد وقادة «الفايس بوك» أنفسهم، أقلها أنه مخترق لعدة محطات وشبكات اتصال في العام، ولعدد من الاستخبارات الدولية والإقليمية المهتمة بالشأن اللبناني، التي برأيهم قد يكون التخاطب الحاصل في الفايس بوك بين الشباب اللبناني أفضل طريقة لاختراق الساحة اللبنانية وإيجاد سهولة متناهية في إحداث فتنة وصراعات بين مختلفة شرائح الشعب اللبناني.