بآب دْخول كرمك ولا تِسْتهاب». عبارة ردّدها الأجداد للدلالة على بدء موسم قطاف العنب في لبنان. لكن في 1 آب 2008 تهيّب الكثير من الفلاحين دخول كرومهم... أصلاً لم يعد هناك من كروم وأحراج ليدخلوها
بسام القنطار
تنذر الحصيلة الأوّلية للمساحة الخضراء التي أتت عليها نيران الحرائق في مختلف المناطق اللبنانية، خلال شهر تموز 2008، بأن «الآتي أعظم»! 800 هكتار هي الحصيلة التقريبية للمساحة التي استحالت رماداً، أي ما يعادل ثلثي المعدّل العام السنوي للحرائق الذي تقدّره وزارة البيئة اللبنانية بـ120 هكتاراً.
ونظراً إلى عدم وجود رصد دقيق وعلمي من جانب مؤسسة واحدة للمساحات المحترقة وتصنيفها وتوثيقها، تتضارب الأرقام التي تقدمها وزارتا البيئة والزراعة مع تلك التي تعلنها مديرية التوجيه في قيادة الجيش والمديرية العامة للدفاع المدني.
الأرقام الأقرب إلى الحقيقة في تقدير إجمالي المساحة الحرجية المنكوبة في لبنان خلال السنوات الثلاث الماضية هي: 440 هكتاراً في عام 2005، 3460 هكتاراً في عام 2006، و4197 هكتاراً في عام 2007. وبذلك نكون قد خسرنا 3.26 في المئة من إجمالي المساحة الخضراء (247754 هكتاراً).
وتظهر هذه الأرقام أن المعدل السنوي ارتفع كثيراً في عام 2006 مقارنة بعام 2005، مع الإشارة إلى إسهام العدوان الإسرائيلي في هذا الأمر، ليبلغ الذروة في عام 2007 الذي شهد خلال شهرَيْ أيلول وتشرين الأول معدّل حرائق غير مسبوق، وصنّف أنه أحد أسوأ أعوام الحرائق منذ عشر سنوات.
وبحسب جدول الحرائق لعام 2006 الصادر عن مديرية التوجيه في الجيش اللبناني، فإن عدد الحرائق الإجمالي خلال شهر تموز بلغ 47 حريقاً قضى على 110 هكتارات من الأشجار والأعشاب. وإذا أخذنا عامل العدوان الإسرائيلي بالحسبان، يبقى الرقم ضمن الحد المعقول مقارنة بالرقم المسجل في عام 2008 والبالغ 800 هكتار.
وبمعزل عن الأسباب التي أدت إلى اندلاع الحرائق، والمقدر أن يكون معظمها مفتعلاً أو بسبب الإهمال، فإن العوامل المناخية التي طغت على شهر تموز 2008 تميّزت بارتفاع حاد في درجات الحرارة مترافقة مع سرعة رياح، وخصوصاً في فترات العصر، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الحرائق واستحالة السيطرة عليها تماماً، كما يحصل خلال شهري أيلول وتشرين.
وإذا كانت السرعة الكبيرة في الرياح خلال شهر فصل الصيف ظاهرة مناخية جديدة مرتبطة بالتغيير المناخي الذي يشهده العالم منذ عدة سنوات، فإن الحرائق بدورها تسهم في حدة تغيّر المناخ. ويؤكد الكتاب السنوي لتوقعات البيئة العالمية 2007 الذي يصدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن آثار الحرائق على المناخ تتعدى النطاق المحلي. وفي حالة لبنان، فإن هذه الآثار سوف تطال حوض البحر المتوسط. وبالتالي، فإن فقدان هذه المساحات الشاسعة من الغابات والأحراج سوف يؤدي إلى تفاقم التغيّرات المناخية في المنطقة.
وتشير مديرة جمعية الثروة الحرجية والتنمية سوسن بو فخر الدين إلى أن الجمعية رصدت حرائق بالغة الخطورة خلال شهر تموز 2008، وخصوصاً في أقضية كسروان وعاليه والشوف، منها ثلاثة حرائق كبرى في قرطبا (أتت على 350 هكتاراً)، عيناب (أتت على 150 هكتاراً)، وإقليم الخروب (أتت على 200 هكتار).
وبحسب بو فخر الدين، فإن «الإيجابية الوحيدة التي لاحظتها الجمعية خلال هذا العام زيادة اهتمام الناس بالمساعدة في عملية الإطفاء، وليس الاكتفاء بالاتصال بالدفاع المدني والجيش، الأمر الذي يشير إلى مدى شعور المواطن اللبناني بخطورة حرائق الغابات على بيئته ومستقبله الاقتصادي والاجتماعي.
وتشير بو فخر الدين إلى أن حملة «الحرقة بالقلب» التي أطلقتها الجمعية بالتعاون مع الوزارات المعنية والمؤسسات الرسمية والخاصة والجامعات والمدارس والجمعيات قد أسهمت في إعادة تحريج 130 هكتاراً خلال عام 2007، وهي تطمح إلى إعادة تحريج 200 هكتار في عام 2008.
ويشارك في عمليات التحريج متطوّعون من المدارس والجامعات والشركات في القطاع الخاص والمؤسسات الأهلية والبلديات. وإضافة إلى حملة «الحرقة بالقلب»، هناك حملة «أبو زريق» التي أطلقتها جمعية الأرض ــــ لبنان، وهي مستوحاة من الإنبات الطبيعي للأشجار الذي يسبّبه طير اسمه «أبو زريق» بسبب إخفائه للحبوب خارج الغابة كمؤونة لتخطّي فصل الشتاء. كذلك أطلقت كلية الزراعة في الجامعة اللبنانية مشروع تشجير لعدد من المناطق. وباشر «البرلمان البيئي للشباب» الذي ترعاه مجلة «البيئة والتنمية»، خلال شهر شباط 2008، إنشاء مشاتل للأشجار الحرجية في المدارس، على أن تزرع الشتول في الموسم المقبل.
وتعدّ جهود إعادة التشجير أساسية ومهمة، وخصوصاً أنها تشمل زراعة الأشجار الحرجية والمثمرة في آن معاً، كالصنوبر الذي يعدّ ذا قيمة اقتصادية. لكن الناشطين البيئيين يرون أن الأولوية الآن هي لمكافحة الحرائق المشتعلة ولوضع برامج وقاية.
وفي هذا الشأن، تشير الناشطة في حزب البيئة اللبناني، ميادة عبد الله، إلى أن الحزب ناشد مجلس الوزراء، في أول اجتماع له بعد نيل ثقة الحكومة، وضع مسألة حرائق الغابات على جدول أعماله، ومعالجة هذا الملف بالسرعة اللازمة على قاعدة تكليف لجنة وزارية طارئة مهمتها وضع خطة متكاملة، تنطلق من أربعة مبادئ رئيسية طالب حزب البيئة بها مراراً وتكراراً، وأثبتت الأيام والوقائع صحتها. أول هذه المبادئ هو تحديد المسؤولية. فلا يعقل أن تضيع المسؤولية الرسمية عن إدارة الغابات في لبنان. فإذا كانت وزارة الزراعة هي الجهة المسؤولة قانوناً عن إدارة الغابات ووضع الخطط لمكافحة الحرائق، فعليها أن تتحمل المسؤولية، وأن تعرض خطة متكاملة، وتحدّد ما هو المطلوب منها ومن غيرها من الوزارات والإدارات الرسمية للتنفيذ، على أن تحصل المحاسبة بعد تحديد المسؤوليات. أما المبدأ الثاني الذي يفترض أن تقوم عليه الخطة، فهو الوقاية التي تتطلّب القيام بإجراءات معينة قبل اندلاع الحرائق، وللتخفيف من إمكان وقوعها. أما المبدأ الثالث فهو المراقبة، تطبيقاً لمبدأ «إذا ما عرف الحريق في بدايته سهل إطفاؤه». وتطبيقاً لذلك، وجب إنشاء أبراج مراقبة وخزانات مياه صغيرة في المناطق الحساسة في الغابات، وتوظيف مأموري الأحراج وعناصر الدفاع المدني وعناصر البلديات أو المتطوعين من الجمعيات الأهلية أو من عناصر الجيش اللبناني... لمراقبة الغابات والتدخل بسرعة لإطفاء الحرائق في بدايتها، مع تزويدهم بالتجهيزات المطلوبة.
المبدأ الرابع هو المحاسبة. محاسبة المسؤولين إذا قصّروا أو تهاونوا أو فشلوا، ولاسيما بعدما فشلت الخطة التي اقترحتها اللجنة الوزارية التي ألّفت عام 2000 برئاسة وزارة البيئة، ورصد لها مبلغ ملياري ليرة لبنانية لتنفيذ الخطة. وكذلك لمحاسبة مفتعلي الحرائق إذا ضبطوا، وعدم إقفال التحقيقات بعد 48 ساعة، كما يحصل عادة.
ويطالب حزب البيئة بتطبيق خطة تعتمد هذه المبادئ، الأمر الذي لا يتطلب ميزانيات ضخمة، ولا شراء طائرات جديدة بأكلاف عالية، بحسب ما تخطط له وزارة الداخلية والبلديات، علماً بأنه جرى النقاش سابقاً في شأن إمكان تجهيز طوافات الجيش اللبناني بخزانات في باطنها بكلفة زهيدة جداً.


بارود يعمل لجمع 20 مليون دولاروأوضح بارود أن قسماً من التمويل سوف يؤمّن «من خلال التبرعات والهبات التي ستقدمها مؤسسات القطاع الخاص وعدد من رجال الأعمال المقيمين والمغتربين». كذلك تدرس الوزارة «إمكان إطلاق حملة تبرّعات شعبية متعددة الوسائط بما فيها حملة «تيليتون» وذلك من أجل إشراك أكبر عدد من المواطنين في المسؤولية الجماعية المتمثلة في حماية الثروة الحرجية».
بدوره أعلن رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود أنه بادر بالتنسيق مع الهيئات الاقتصادية للمساهمة في حملة جمع التبرعات لشراء هذه الحاجيات.