إيلي شلهوبشهوة السلطة، لعلها أكثر التعبيرات الغرائزية إغراءً وإشباعاً للنفس البشرية؛ تلك القدرة على التحكم بالرقاب والعباد. على تحديد مسارات حياتهم ومصائرهم. من أجلها سقطت محرمات وارتكبت أفظع الجرائم. التاريخ حافل بالأمثلة؛ طامع يقتل والده طلباً لعرش. وأم تضع فلذة كبدها في غياهب السجون تحصيناً لتاج. مجازر تُرتكب للتخلص من «خائن» و... الأكثر خطورة من بين الطامحين لها، هم هؤلاء الذين يعتاشون على التلاعب بالعقول، مدججين بكم من الغيبيات والماورائيات. وأولئك الذين يحتكرون العنف الشرعي، تلك الحرفة التي لا يجيدون سواها. هؤلاء وأولئك كانوا يمثلون، منذ الأزل، النخبة الطليعية لكل المجتمع (ومعهم «الفلاسفة» وأصحاب رؤوس الأموال). أطنان من الحبر سالت على مؤلفات وقصائد نظّرت لتفوقهم ومجّدت إنجازاتهم (المصبوغة باللون الأسود) في محاربة الشر والأعداء.
خاضت البشرية صراعات دامية لتحرير المواطن الفرد من ظلاميتهم وظلمهم: رجال الدين إلى المعابد والعسكر إلى الثكنات. السلطة للمدنيين، وتداولها عبر صناديق الاقتراع (حيث تؤدي الأموال دورها!)، الشرط الأساس لنظام حي يصون الحريات ويضمن الحقوق (الاجتماعية في مقدمتها!)، ويحفّز الإبداع ويؤمّن متطلبات العيش الكريم.
تجربة نجحت (نسبياً) في «المركز» وفشلت (بشكل عام) في «الأطراف»، بفضل الأطماع الإمبريالية التي رأت في العسكريتاريا خير معين للحفاظ على مصالحها؛ النماذج كثيرة، تبدأ من أميركا اللاتينية القرن العشرين ولا تنتهي في غياهب الشرق. الفج منها هو الأقل إثارة للجدل؛ أصحاب البزّات المرقطة فيها في مقدمة الصورة. لا يتخفّون خلف إصبعهم. واضحون في أهدافهم و«شفافون» في صراعهم.
المشكلة في الأنظمة الهجينة، التي تدّعي الدمقرطة تحت حكم العسكر. الأمثلة الأكثر تعبيراً عنها في منطقتنا تبدأ من باكستان، مروراً بتركيا والجزائر، وصولاً إلى موريتانيا، حيث أطاح جنرالات الجيش أخيراً بالتجرية الديموقراطية الحديثة الولادة.
لكن الأسوأ منها أن يتحوّل العسكر، في أنظمة شقت طريقها لعقود باتجاه تكريس الحكم المدني، إلى «منقذ» يستجديه الجميع تسلّم الحكم، ولو بربطة عنق، كلما دقت ساعة تداول السلطة.
ويل لأمة يؤدي فيها رجال الدين (بصفتهم هذه) دور الساسة، ويجلس فيها الجنرالات في ثكناتهم وعينهم على قصر الرئاسة.