لطيفة بو سعدن *ـــ ثانياً، شبح نتائج الانتخابات التشريعية السابقة الذي ما زال يلقي بظلاله على الحياة السياسية المغربية، لا سيما في شقّها الحزبي. فانتصار موقف المقاطعة الانتخابية من طرف الكتلة الناخبة، وغياب الحزب الانتخابي القوي، جعلا اللحظة الانتخابية بمثابة عقاب للأحزاب على مختلف مشاربها، وجعلا هذه الأخيرة تفقد إشعاعها الجماهيري وتطرح بعدها سؤال كيفية استعادة شرائح واسعة من قواعدها الاجتماعية، وخاصة بين فئة الشباب التي لم تعد تغريها خطاباتها.
ـــ ثالثاً، ما يمكن أن نصطلح عليه بلحظة فؤاد عالي الهمّة، صديق الملك. هذه الشخصية التي أسالت الكثير من المداد، والتي غدت هي و«حركة لكل الديموقراطيّين» مثار إعجاب لدى البعض واستفزاز لدى البعض الآخر.
من أين أتى مشروعه؟ ولماذا في هذه المرحلة تحديداً؟ وهل علينا لومه لأنه وجد أمامه ساحة فارغة من الفعل الحزبي، فاقتنص الفرصة كما فعل قبله حزب الإسلاميّين؟
أم علينا بذلك أن نصدّق أنه البديل المنتظر للزعامات التقليدية المتآكلة؟ أم إنّ الأحزاب المتضررة من ظهوره وجدت أخيراً حافزاً (فعلياً أو وهمياً) يدفعها لمواجهة نفسها أولاً، ولتعجل التجمّع في إطارات باحثة عن نوع من القوّة؟ طبعاً سيكون من باب الاصطياد في الماء العكر أن يجعل رجل السلطة السابق إحدى أولوياته الاستهداف المجاني للأحزاب الديموقراطية واليسارية، ولكن مع ذلك ليس حزب عالي الهمة هو من أفشل المؤتمر الأخير للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وليس هو حتماً من سيحلّ المشكلات التنظيمية لهذه الأحزاب، وهي مشكلات حتماً لن تنتهي لمجرد خلق تحالفات جديدة لمواجهة الحزب الجديد.
من جهة أخرى، يأتي التحالف اليساري الجديد في سياق تستمرّ فيه استمالة حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي المعارض الطبقات الوسطى والكادحة، وتحضير نفسه للانتخابات الجماعية المقبلة بتغطيته جميع الدوائر الانتخابية، متخلياً بذلك عن اتفاقه الضمني السابق مع القصر بتحديد ترشيحاته.
وتبقى الأهداف العامة الأولى الذي حدّدها التحالف الخماسي في انتظارالميثاق التأسيسي غير بعيدة تماماً عن السياقات أعلاه، ومنها:
ـــ تحريك عجلة المشهد السياسي الراكد، الدفاع عن الوجود الحزبي تجاه التكنوقراط والمدعومين مالياً، استعادة الثقة في العمل الحزبي، محاربة التدخل الفوقي لتشتيت الأحزاب الديموقراطية، فتح نقاش وطني بشأن القضايا الدستورية والسياسية. يبدو أنّ فعل المواجهة سيكون دافعاً أساسياً للعمل، لكن بأية أسلحة، حتى لا تغدو مجرد مواجهة دونكيشوتية؟ فإحدى الأدوات المعلن عنها للعمل هي التنقل في مختلف مناطق المغرب من أجل شرح الأرضية السياسية للمواطنين... وفي ذلك تماهٍ مع الصيغة التي لا تزال «حركة لكل الديموقراطيين» تقدم نفسها بها.
وهذا ما يرجح فرضية «ردة الفعل» التي سيسبح فيها هذا المولود الجديد في انتظار الانتخابات المحلية المقبلة. يصعب الحديث في هذه الحالة عن تحالف يساري نوعي. فالمكوّنات الخمسة تشرب من منبع سياسي واحد، وتمتزج برامجها الإصلاحية في العديد من المحطات ببرامج اليمين، ولا مشكلة لديها البتة في الإحالة على الخطب الملكية أو أن تطالب بالتحكيم الملكي، بالضد من مطالبها ببناء دولة القانون والمؤسسات. كما أنها أحزاب تنتمي للعائلة السياسية نفسها، فالحزب العمالي وُلِد من انشقاق عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والحزب الاشتراكي عن حزب المؤتمر الاتحادي المنشق بدوره عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وجبهة القوى جاءت عبر انشقاق عن «التقدم والاشتراكية»، وكأن قدر هذه الأحزاب «الضالة» هو العودة إلى أحضان الأحزاب الأم. فمن السهولة بمكان أن تندمج هذه المكونات في ما بينها اندماجاً فعلياً أو استراتيجياً، وتقدم ترشيحات مشتركة للانتخابات المقبلة.
لكن يبقى من الصعب تحقيق دعوتها باقي مكوّنات اليسار للالتحاق بمبادرتها، لا سيما بالنسبة لليسار غير الحكومي الموجود في «تجمع اليسار الديموقراطي»، (أي حزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي والحزب الاشتراكي الموحد وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي وحركة النهج الديموقراطي الراديكالية).
الأكيد أنّ التصورات جدّ متباينة بين الحزب اليساري الكبير الذي يدعو إليه الاتحاد الاشتراكي وعائلته، والتحالف اليساري المنشود الذي لن يتخلّى عن الحق في وجود التيارات داخله، وهو ما تتحدث عنه التنظيمات الموجودة في إطار تجمع اليسار الديموقراطي المؤسس سنة 2004، جاعلاً بدوره من أهدافه جمع شتات اليسار المغربي. وإلا فلماذا لم تلتحق الأحزاب الخمسة الأولى بهذا التجمع عوض بناء تكتل جديد؟ كما أن البون شاسع بين الدعوة الإصلاحية للدستور والتغيير الجدري للوثيقة الدستورية.
* صحافيّة مغربية