عين الحلوة ــ خالد الغربيالمجهول هو ما يخشونه في المخيم الذي شهد أكثر من حادثة أمنية، كان آخرها انفجار عبوة ناسفة دُسّت بين حاويات النفايات في مكب على مقربة من مقرّ لـ«فتح»، أعقبه إطلاق نار. ومع طلوع الفجر، ألقيت قنبلة على خط التماس الفاصل بين نفوذ حركة فتح والأصوليين في آخر منطقة التعمير اللبنانية، وسقطت في حديقة منزل يخص عائلة نضر لم يؤدّ انفجارها إلى إصابات، بل إلى حدوث أضرار مادية فقط.
في مكان انفجار القنبلة في الربع الأخير الخالي من الوجود الشرعي اللبناني من منطقة التعمير تجمّع السكان، ولا سيما النسوة منهم، وما كادت وسائل الإعلام تُطل، حتى بدا الأمر أشبه بمؤتمر عام عرضت خلاله المخاوف.
«نمت واستيقظت على صوت مرعب، قلت ولعت يا ولد بين الجند وفتح»، يقول الطفل علي أبو شحادة. فيما يتداخل صوت أم أحمد مع جارتها، فتقول الأولى: «شو هالبلاء؟ يروحوا يحرّروا فلسطين مش هيدي المنطقة اللي بدون يهجّروا أهلها ليستولوا عليها». وتصرخ الجارة: «منّام ومنقوم خيفانين وما معنا قدرة على استئجار منازل، وما عاد في أعصاب. مطرح ما نزلت القنبلة بالجنينة كنا ننام إذا ما في كهرباء... الله سترنا». ويرمي من تجمهر باللائمة على المسؤولين في صيدا من نائبيها إلى فعالياتها «شو تاركين لنموت ما في حدا يسأل من الزعما يا خيي يعطونا شوادر وننصبها على البحر».
من التعمير إلى المخيم يزداد القلق، وخصوصاً أن الانفجار الأخير يأتي تكملة للرسائل المتبادلة بين فتح وجند الشام، علماً بأن طرفي النزاع ينفيان أيّ مسؤولية لهما عن الحوادث ويلقي كل فريق المسؤولية على الآخر.
قرب مقرّ فتح، حيث وقع الانفجار، وقف عدد من حراسه مدججين بالسلاح وراحوا يتسامرون مع الإعلاميين مع كلام قاس ضد «جند الشام» التي يتهمون عناصرها بالوقوف وراء التفجير الأخير شأن كلّ الحوادث التي تحصل، يقول أحد المسلحين. ويعرّف آخر عن نفسه بأنه «أبو الرشد»، فيتهم «جند الشام» بعجزها عن القتال وجهاً لوجه.
وينفي أن تكون فتح تقوم بدورها بالتفجيرات، ويقسم على بندقيته إنهم لا يستعملون «العبوات ضد شعبنا، بل نستعملها ضد العدو الصهيوني». ويرشدنا أبو الرشد إلى منزل قريب من الانفجار أصيب به طفل. في المنزل بدت كبيرة السن فيه «مظلومة» عبد الهادي اسماً على مسمى، فقد ظلمها ذوو القربى وتقول وهي تشير إلى حفيدها عبد الرحمن وسيم عبد الهادي ابن الشهرين الذي تغطي الدماء ثيابه جراء إصابة طفيفة لحقت به من الانفجار: «يا خالتي فكرت إسرائيل عم تقصف وصرخت لزوجة ابني: قصف إسرائيلي جيبي الأولاد وطلع الدخان علينا وتطاير الزجاج وبعدني لهلق عم أرجف من الخوف».
ننتقل من مكان الانفجار إلى مكان آخر قريب، حيث يقف محتجّون من أصحاب السيارات التي تضرّرت في الحوادث الأخيرة وقد قطعوا طريق المخيم بسياراتهم، وهي مصدر رزقهم، فبدا المشهد كأنه مجزرة سيارات نخر الرصاص الطائش هياكلها.
في مسرح اعتصام السيارات المتضررة بدت اللافتة المرفوعة على باب أحد المحال «غدر الصحاب من غدر الزمان» خير عنوان لما يحصل لأبناء القضية «الرصاصة اخترقت الرادياتير ممكن يكون في إسرائيلي تخبى بداخله» يقول صاحب إحدى السيارات المتضرّرة من نوع «أوبل» يحيى الميعاري، ويردف: سياراتنا تضرّرت جرّاء إطلاق نار، بدنا نعيش بسلام ما بدنا حرب بالمخيمات. أين تذهب الناس وأين يلجأ الأطفال؟».
يطقطق بائع القهوة بفناجينه النحاسية يصاحبها بكلمات على شكل موّال «الله يلعن اللي كان السبب». تدور القهوة على المعتصمين في وقت يتواطأ فيه بعض الإعلاميين بشكل إيجابي في ما بينهم: «دعونا اليوم لا نستصرح أحداً من المسؤولين الفلسطينيين». لكن الأخيرين يبادرون إلى ذلك، إذ ترن الهواتف الخلوية التابعة للزملاء على التوالي، وعلى الطرف الآخر مسؤول فلسطيني «شو ناطرينكم، ما بدكم تاخدوا موقف وتصريح؟!».
عود على بدء مع محمود درويش الذي ينهي قصيدته بمخيم ينجب زعتراً ومقاتلين، فيصحح بعض مشاهدي التلفاز زعتراً ومتقاتلين.