الجنوب ـ آمال خليللم يُقفل ملف الأسرى والشهداء في إسرائيل بعد، إذ لم تكشف «عملية الرضوان» الأخيرة النقاب عن مصير كثير من المفقودين اللبنانيين في سجون العدوّ ومقابره.
ويلقي الغموض الذي يكتنف ملفّ المفقودين، بثقله على عائلات كثيرة لا تزال تنتظر الخبر اليقين، أياً يكن. من بين تلك العائلات، عائلة الصيّاد محمّد فرّان التي لم يجلِ التقرير الإسرائيلي الأخير مصير الابن الضائع في عرض البحر، بعدما أطلقت البحرية الإسرائيلية الرصاص على زورقه «الموهانا» مساء 21 من تشرين الأول عام 2005 قبالة الناقورة. ففي هذا التقرير الذي تسلّمه حزب الله تصرّ اسرائيل على أنّ الصياد ليس بحوزتها وأنّها لم تأسره، على الرغم من إقرارها بإصابته، وتسليمها زورقه الملطّخ ببقع الدم لليونيفيل عقب أيّامٍ من الاختفاء. وأمام هذه النتيجة، يجد الوالد عادل فرّان نفسه أمام احتمال موت ابنه في البحر، إذا لم تعترف به إسرائيل.
عائلة محمّد ليست الوحيدة في ذلك الضياع، فحتّى عملية التبادل الأخيرة لم تستطع إقفال الملفّ، وبقي العدد الأكبر من المفقودين الذين أوردت هيئة تقصي مصير المفقودين أسماءهم وتفاصيل عنهم في التقرير الرسمي الصادر قبل سبع سنوات، أسير القرار الإسرائيلي. وتكشف لوائح الأحزاب اللبنانية أن لبنان لم يتسلّم سوى 15 مقاتلاً، مقابل عشرات الأسماء التي تقدّمت بها فصائل جبهة المقاومة اللبنانية كالحزب السوري القومي وحركة أمل والحزب الشيوعي.
ولئن كان الملفّ قد أُفقل، فمن يُجيب علي، ابن الأسير المفقود موسى الشيخ سلمان، من بلدة معركة عن مصير والده الغائب منذ 26 عاماً. يتساءل علي عن قيمة الورقة الثبوتية التي يحملها كالعشرات من الصليب الأحمر الدولي، والتي تؤكد اعتقال قوات الاحتلال الإسرائيلي والده خلال اجتياح عام 1982 من صور ونقله مصاباً إلى المستشفى الميداني في المعليّة ثم إلى داخل فلسطين.
أمام هذا الواقع، وعد «حزب الله» ذوي المفقودين والشهداء غير المشمولين بالتبادل الأخير بأنه سيعمل بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الرسمية والأطراف المعنية للبحث عن مقابر جماعية محتملة للشهداء في الجنوب وغيره من المناطق التي سيطر عليها الاحتلال وعملاؤه وبعض التنظيمات المتعاملة معه. ويستند «حزب الله» في عمليّة التفتيش إلى المعلومات الواردة في التقرير الرسمي الذي قدّمته إسرائيل. ويؤكّد التقرير بحسب اعترافات مسؤولي الميليشيات أنّه جرت تصفية بعض المخطوفين خلال الحرب الأهلية، فيما أُلقيت بعض الجثث في البحر ودفنت جثث أخرى في مقابر جماعية يحدّدها التقرير بمدافن الإنكليز في التحويطة ومقبرة الشهداء في حرج بيروت ومدافن مار متر في الأشرفية وفي مختلف القرى الجنوبية المحررة.
وإلى جانب المقابر التي يذكرها التقرير، يتوقّع بعض الأهالي أماكن دفن أبنائهم، وقد يكون من بين هؤلاء قبر الشهيد يحيى الخالد، أحد شهداء الحزب الشيوعي. ويعتقد شقيقه ابراهيم بأنّه «مدفون في مكانٍ ما بين مرجعيون والقليعة»، ولكن تنقصه التأكيدات التي بإمكان العملاء المنفّذين والشاهدين على الحادثة، «وعلى رأسهم العميل منصور البدوي، المسجون حاليّاً في رومية»، تقديمها. يُذكر أنّ خالد لم تشمله عمليّة التبادل عام 1996، التي أسفرت عن الإفراج عن جثامين رفاقه الخمسة في الهجوم الذي نفذوه على مركز أبو قمحة الإسرائيلي في 17 كانون الأول 1987. يومها وضع العميل البدوي جثامين الشهداء الستة على مقدمة دبابة جالت بهم في شوارع حاصبيا وكتب عليها «هدية بمناسبة انطلاق جبهة المقاومة اللبنانية».


المفقودون في البيان الوزاري

منذ عملية التبادل الأخيرة في 16 تموز الفائت، والأصوات ترتفع مطالبة بإقفال ملف كلّ المفقودين اللبنانيين في كلّ السجون «كما أقفل مع إسرائيل». ويعتقد كثيرون أن الفقرة 35 من البيان الوزاري التي أشارت إلى المفقودين اللبنانيين كانت تشمل فئة واحدة منهم بعد طيّ الملف الإسرائيلي، إلا أن الفقرة لا تشير إلى هوية المفقودين أو المكان الذي فقدوا فيه، فقد ورد فيها حرفياً: «إن الحكومة اللبنانية ترى أن قضية المفقودين اللبنانيين هي قضية إنسانية ووطنية وسوف توليها الاهتمام والعناية اللازمين للكشف عن مصيرهم احتراماً لحق ذويهم بالمعرفة في سبيل تعزيز المصالحة الوطنية في هذا المجال والانتهاء من مآسي هذه القضية في إطار التسامح والمحبة».