بيار أبي صعبحنان ترك تستمع إلى الموسيقى، وقد أدلت بهذا الاعتراف إلى زاهي وهبي الأسبوع الماضي في «خليك بالبيت» على «المستقبل». وأضافت أنّها حائرة، فهي لا تعرف إذا كان ذلك أمراً جيّداًً. المشكلة أنّ لا أحد يستطيع أن يقول للفنّانة الشابة التي اكتشفها خيري بشارة مطلع التسعينيات، وصارت «نجمة شبّاك» بلمحة بصر، ثم قرّرت فجأة أن تتحجّب، لا أحد يستطيع أن يجزم لها بما هو الحلال وما هو الحرام. في القوانين الوضعيّة، بوسعنا أن نؤكّد تماماً ما هي الأفعال التي تقع تحت طائلة القانون. أما في مجال القناعات الروحيّة والفكريّة والدينيّة، فنحن أمام اجتهادات نسبيّة. وهناك وجهات نظر مختلفة، متضاربة، ومرجعيّات عديدة، عليها كلّها أن تتعايش في حارة واحدة، ومجتمع واحد، ووطن واحد، وأمّة واحدة (وعالم واحد).
إن حجاب حنان ترك بالذات، ينقلنا من الدائرة الحميمة إلى الفضاء العام. لأنّها فنّانة أولاً، ولأنّها قرّرت أن تبقى في دائرة الضوء بعد تحجّبها. وبالتالي فإن «حجابها» ليس فعلاً إيمانيّاً شخصياً، من النوع الذي يتوجّب على الجميع احترامه، بل موقف إيديولوجي وسياسي يقدّم لنا نظرة أحاديّة لماهيّة الخير والشرّ، ويريد نفسه قدوةً للجماعة. ليست المرّة الأولى التي تطلّ فيها الفنانة المحجبة على التلفزيون. فقد أعلنت قرارها قبل سنوات في «استوديو نحاس» خلال تصوير مسلسل «أولاد شوارع»، ثم شاركت في برنامج شعبي («البيت بيتك» على القناة المصريّة الثانية)، لتعرض نظرياتها «الخنفشاريّة» في الفنّ. لكن الإطلالة من بيروت لها معنى آخر، وخصوصاً من تلفزيون يعبّر عن وجهة نظر تيّار سياسي محاصر بالرمال المتحرّكة للسلفيّة. لا يمكننا إذاً أن نتغاضى عن كلام الباليرينا الجميلة والرشيقة التي أحببناها ــــ أيّام زمان ــــ في ثلاثيّة يوسف شاهين الفكريّة، قبل أن تتلقّى «الإشارات» التي دعتها إلى «الصراط المستقيم»، وإذا بها تختار مصر عمرو خالد على مصر هدى الشعراوي. إن حجابها من علامات الانحطاط الذي يغلّب الشكل على الجوهر، والأكسسوار على البعد الروحاني. ومن علامات انحسار العقلانيّة، ومواجهة المشكلات الاجتماعيّة والقهر السياسي، بردود فعل سطحيّة وغيبيّة، مذعورة ومتشنّجة. هل نذكّر بأن صالونها للتجميل، «صبايا كافيه»، ممنوع على السافرات والمسيحيّات؟... وهو تمييز عنصري تعاقب عليه القوانين المتحضّرة.