التعرض صيفاً لأشعة الشمس يزيد احتمال ظهور الشامات، حبة الجمال تخفي بعض المخاطر، وقد تتحول في بعض الأحيان إلى ورم خبيث. باحثون فرنسيون تحدثوا في هذا الصدد عن تأثير بروتين يُعرف باسم beta-catenine. تطور الشامة يمر بمراحل عديدة، وغالبية الشامات تتوقف عن النمو في المرحلة الأول
غادة نجار
هي الشامة... مسحة من السحر تغنّى بها الشعراء، وميّزت الكثيرات من الجميلات، ولكن «بذرة الجمال» (Grain de beaute) كما سماها الفرنسيون قد تخفي خطورة هي أشبه بالشوك القارص لكل وردة جميلة. الشامة نتاج نمو عشوائي لبعض الخلايا الجلدية السطحية، وهذه عملية تتوقف في الكثير من الحالات عند حد تكوّن الشامة التي قد تنمو قليلاً مع التقدم في السن. لكن التعمق في دراسة «بذرة الجمال» يُظهر تعقيدات سلطت الأضواء عليها دراسات عديدة، آخرها دراسة فرنسية أعدتها فيرونيكا ديلماس وزملاؤها في مؤسسة «كوري» الفرنسية، وتوصلوا إلى أن تأثير أحد البروتينات يؤدي إلى تكاثر خلايا الشامة إلى ما لا نهاية وتحولها إلى ورم خبيث أو Melaname.
قبل الغوص في التفاصيل التقنية العلمية، لا بد من الإشارة إلى أن إحصاءات أجرتها المؤسسة الوطنية للسرطان في فرنسا، أظهرت أن حالات سرطان الجلد قد تضاعفت خلال العقدين الأخيرين أربع مرات عند الرجال وثلاث مرات لدى النساء.
للـ Melaname، أو الورم الجلدي الخبيث، قدرة على الانتشار والتحول في جسم الإنسان، فهو يؤدي إلى وفاة 1300 شخص سنوياً في فرنسا وحدها.
وبالعودة إلى تجارب ديلماس وفريقها، تبين أن تكوّن الورم الخبيث انطلاقاً من الشامة يمر بمراحل عدة، في البداية تتكوّن الشامة بذاتها من خلال عملية التكاثر Proliferation الناشطة للخلايا الجلدية السطحية (Melancytes) التي تحتوي على مادة Melanine، وهي مادة تمنح الجلد لونه وتحميه من أشعة الشمس ما فوق البنفسجية. يتوقف هذا التكاثر بعد عدد من الانشطارات، حيث تدخل خلايا الـ Melancytes في فترة ركود. في معظم الأحيان تنتهي مقصة «بذرة الجمال» عند هذا الحد. لكن ديلماس تؤكد أن العامل المفصلي في استمرار عملية التحول إلى ورم سرطاني هو قيام خلايا الشامة بمناورة تسمح لها بتخطي حالة الركود، ويحصل هذا الأمر لدى الأشخاص الذين يتوقف جين محدّد لديهم، هو الـ P16 IN4a عن أداء وظيفته في منع تكوّن الأورام. وقد لاحظ الباحثون أن هذا التوقف هو نتيجة تأثير بروتين يعرف باسم beta-catenine، وقد أظهرت تجارب الباحثين الفرنسيين أن نواة 30% من خلايا الـ Melancytes تحتوي على beta-catenine. برهن الباحثون الفرنسيون هذا الكشف عندما حقنوا بعض الفئران المخبرية بجين beta-catenine المعدل، ولاحظوا أنه توجّه مباشرة إلى نواة خلايا الـMelanocytes، ما أدى إلى تكاثر هذه الخلايا دون توقف.
حاول الباحثون استخدام العديد من المواد في محاولة لتعطيل تأثير الـ beta-catenine على الخلايا، ولكن هذه المواد لم تظهر فعالية تذكر.
قد يُفاجأ الجالس في مقهى مزدحم، حين يتابع وجوه رواد المقهى على مدى أسبوع بأن نحو 80 في المئة من الموجودين يحملون عدداً من الشامات في وجوههم، وتكاد هذه النسبة تتوزع بتساوٍ بين النساء والرجال من مختلف الأعمار، وإذا أضفنا إلى ذلك نسبة تعرضنا للشمس، ونحن في بلد متوسطي، يصبح من الواضح ضرورة إيلاء هذا الموضوع أهمية كبيرة.
تغيب الإحصاءات الدقيقة في لبنان عن نسبة الحالات التي تحولت فيها الشامات إلى أورام خبيثة، ولكن كلام المختصين يلفت مجدداً إلى ضرورة متابعة هذا الموضوع. الدكتور نبيل كنج، اختصاصي الجراحة التجميلية، قال إن 20% من المرضى الذين يزورون عيادته يقصدونه من أجل استئصال الشامات من أجسادهم. وتحدث عن الارتباط الوثيق بين تحول الشامة إلى ورم خبيث والتعرض الكثيف لأشعة الشمس، ولا سيما بالنسبة إلى الأطفال الذين تختزن خلاياهم بعض مفاعيل التعرض للشمس، لتظهر بعد سنوات تأثيراته السلبية المساعدة في تكوّن الخلايا الجلدية الخبيثة. وشدد كنج على ضرورة ألا يتعرض الأطفال والكبار لأشعة الشمس في ساعات الذروة، حيث تكون الأشعة ما فوق البنفسجية قوية. وشدد على ضرورة الاستخدام السليم لوسائل الوقاية المختلفة. ولفت الدكتور كنج إلى أن استئصال الشامة يصبح ضرورياً عندما يبدأ حجمها بالازدياد أو يتغير لونها، أو تبدأ شامات صغيرة في الظهور حولها. وينصح كنج باستئصال مبكر للشامات التي تقع في مناطق من الجسم معرضة للاحتكاك أكثر من سواها أو في مناطق تصعب مراقبتها باستمرار.
الساعات الطويلة على شاطئ البحر مضرة بالتأكيد، وقد لفت كنج إلى أن ذوي البشرة البيضاء، الذين تعرضوا لأشعة الشمس بكثافة وبشكل غير صحي منذ طفولتهم، هم الأكثر عرضة لتحول شاماتهم إلى ورم خبيث.
أخيراً، من الضروري التشديد على التزام حملات التوعية التي تحدد كيفية المحافظة على صحتنا وصحة أطفالنا وحمايتهم من سرطان الجلد، وذلك باستخدام أساليب الوقاية الضرورية من أشعة الشمس في ساعات الذروة، ليس فقط على شاطئ البحر، بل في ملاعب المدارس والحدائق والبيوت.