طرابلس ـ عبد الكافي الصمدالبيوت القليلة التي بنيت على عجل للنازحين الجدد إلى تلك المنطقة، اختفت لاحقاً معالمها الرئيسية، بسبب ازدياد عدد سكّانها، وارتفاع نسبة الآتين إليها من أرياف عكار والضنية والمنية. حتّى الهدوء غاب أيضاً، فيتذكّر بعض سكان المنطقة، الذين رفضوا ذكر أسمائهم وتصويرهم، بحسرة «الهدوء الذي كنا ننعم فيه بداية تلك المرحلة، وبساطة العيش والتواضع فيها».
وإذا كان جوار «المنكوبين» لمخيم البدّاوي قد أسهم في تفاعل سكان المنطقتين اجتماعياً واقتصادياً، إلّا أنّ الأحداث الأمنية التي اندلعت أوائل الثمانينيات في طرابلس والمخيّم، على خلفية نزاع السوريين وحلفائهم مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، جعلت حيّ المنكوبين بحكم وجوده بين «فكّي كمّاشة»، يُصاب بنكبة إضافية، فألحقت به المعارك التي دارت حينها دماراً كبيراً، وأحدثت حالة نزوح مئات العائلات منه.
في السنوات اللاحقة عرف الحيّ فترة من الاستقرار الأمني، إلّا أن أوضاعه الاجتماعية شهدت تغيراً ملحوظاً نحو الأسوأ، نتيجة نزوح عائلات عديدة منه، في مقابل مجيء آخرين، يُضاف إلى تلك الظروف عدم وجود أي مدرسة أو مستوصف، أو حتّى فسحة ترفيه، باعتبار ذلك «ترفاً لا نستحقه»، وفق ما يقول أحدهم.
في مقابل ذلك، تتّسم علاقة أهالي الحيّ مع مخيم البداوي، بـ«حسن الجوار والألفة والمحبة والتصاهر»، بحسب ما يؤكّد مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في المخيم، نبيل السعيد. كذلك يلفت السعيد إلى «أنّ سكّان المنكوبين يشترون حاجاتهم من داخل المخيم، لأنها أرخص سعراً، ولأنه لا وجود لمحالّ تجارية كبيرة في حيّهم».
أمّا علاقة أبناء الحيّ بعضهم بالبعض الآخر، ورغم أنّ المقيمين فيه بمعظمهم منحدرون من مناطق ريفية، إلّا أنّ حميمية العيش وبساطته وعلاقة أهل الأرياف ببعضهم غائبة بشكلٍ كلّي. ولعلّ السبب في ذلك، كما يرى سائق أجرة يعمل على خط طرابلس ـــــ المنكوبين، أنّ «غالبيّة السكان أتوا ليقيموا فيها مؤقتاً، بانتظار أن يغادروها عند أول فرصة». ولكن قرار المغادرة لم يصدر بعد، والسكّان باقون على فقرهم وتمزّقهم بعدما تحوّل حيّهم في الفترة الأخيرة إلى «جبهة عسكرية» أثناء اشتباكات جبل محسن وباب التبانة والقبّة. ويروي بعض سكان الحيّ أن «مسلّحين من خارج المنطقة قدموا إليها أثناء الجولتين الثالثة والرابعة من المعارك التي دارت في طرابلس منذ 10 أيار الماضي، وطلبوا من السكان إخلاءها على عجل، ما دفع بالبعض إلى النزوح مجدّداً».
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وفق ما يذكر السكان، إذ إنّ المسلّحين الجدد الذين «يغلب عليهم الطابع السلفي، أرادوا أثناء المعارك شق طريق ترابية باتجاه حي وادي النحلة المجاور، من أجل تسهيل حركتهم، وتوفير وصول الإمدادات والدعم إليهم».
إذاً، «نكبة» جديدة يختبرها أهالي الحيّ بعد النكبة الأولى التي لا تزال لعنتها تطاردهم في كلّ زمانٍ ومكان، والدولة لا تزال في غيابها، وكذلك الأحزاب والتيّارات السياسيّة التي تكتفي فقط بمواسم الانتخابات.