بقيت مساحة النشاطات التربوية في قرية بيت ملات العكارية صغيرة، إلى أن فكّر بعض أبناء القرية بإنشاء «المحترف القروي» الموجّه إلى أطفال القرية. وكانت أولى ثمار هذا المحترف دورة تدريبية على المسرح والغناء والرسم غيّرت صيف القرية الرتيب
سناء الخوري
تكاد الغرفتان اللتان اتخذهما المحترف القروي مركزاً له في دار بلديّة بيت ملات لا تتسعان للألوان. على لوحة بيضاء كبيرة، أكفّ ملوّنة طبعها الأطفال للذكرى. شاركت الأيادي الصغيرة في الدورة التدريبيّة التي نظمها المحترف ضمن ثلاثة مشاغل في الرسم والمسرح والغناء، منذ الخامس عشر من تمّوز الماضي، ويختتمها الجمعة المقبل.
تنهمك مدرّبة الغناء كارول توما باختيار لون مناسب للكرّاس الذي سيحمله أطفال الجوقة في الحفلة الافتتاحيّة المخصصة لمعرض رسوم الأطفال المشاركين في مشغل الرسم.
هكذا غيّرت «عجقة» الأولاد أجواء الصيف في القرية النائية التي تبعد عن بيروت أكثر من 3 ساعات في السيارة، بعدما كان مقهى الإنترنت اليتيم في الضيعة مزار الأولاد الوحيد، في محاولة لملء الفراغ الذي يفرضه غياب أي نشاط تربوي فاعل. قد يكون هذا ما دفع أحد الأهالي إلى شكر الناشطين في المحترف «لأنهم أراحوا عيون أولاده من الإنترنت لأربع ساعات في اليوم».
رغم إمكانات المحترف المتواضعة، وورشة التصليح في مبنى البلديّة، لم تخفت حماسة الأولاد، فشاركوا من الاثنين إلى الخميس من كل أسبوع في الورش المختلفة باندفاع من وجد متنفّساً لكبت مزمن. تقول تيا سمعان، إحدى المشاركات إنّها كانت تقضي العطل الصيفيّة أمام التلفاز فلا تخرج من المنزل إلا عندما يزورها أصدقاؤها. أما خلال هذا الشهر الذي قضته في الدورة، فقد ملأت وقتها بتمارين مفيدة. إليسا سابا استفادت في المشاغل أكثر مما تستفيد في حصص النشاطات في المدرسة، كما في صفّ المسرح، إذ تعلمت وزملاءها «أشياء جديدة لم أكن أعرف عنها شيئاً في السابق». هنا يقول مدرب المسرح طوني توما إنّ التمارين كانت تهدف إلى تقوية شخصيّة الأولاد، إلى جانب تعليمهم أصول الأداء التمثيلي خارج الإطار التقليدي المتعارف عليه. ويشير إلى أنّ المشاغل الثلاثة كانت تهدف إلى تحفيز «مهارات الخلق والإبداع على الصعيد الفردي لدى المشاركين بعد نهاية الدورة». الأطفال لا يفكرون بما بعد الدورة، فهمّ أفراد الجوقة الوحيد هو الحفلة. تيريزا مخول بدأت تذيع برنامج الحفلة منذ الآن «سنرتدي جميعنا قميصاً أبيض وسروال جينز، وأنا سأغني منفردة في أغنية طلّوا حبابنا». لكن هل يتناسب هذا النوع من الأغاني مع عمر أطفال لم يتجاوزوا العاشرة؟ ربما حاولت مدرّبة الغناء، كارول، تنمية ذوق الأطفال عبر تعليمهم بشكل مهني «أغاني تراثيّة غير التي يسمعونها كلّ يوم على الإذاعات». أسهم مشغل الرسم في اكتشاف بعض الأولاد لإمكاناتهم، تقول تريزيا سمعان، لكون التقنيات التي تعلمتها في التلوين جعلت الرسم بالنسبة إليها ممتعاً أكثر. لاريسا الأسد فخورة بإناء الأزهار الذي رسمته بالألوان المائيّة، أمّا حنا سابا فمرتاح بعد هذه الدورة فقط «لأنّ والدته فخورة بالرسوم الجميلة التي رسمها».
هذا النشاط كان حديث الناس، فهو الأول من نوعه في القرية، وقد لفت نظر القرى المجاورة، فطالب أهاليها بتوسيع المشاغل لتشمل مشاركين من أبنائهم، لكنّ إمكانات المحترف البسيطة لم تسمح بذلك. هذه البداية التي وصفها رئيس الهيئة الإداريّة في المحترف، وأحد مؤسسيه كريم الحاج، بالمتواضعة، هي بنظره خطوة أولى يجب أن تتبعها سلسلة تراكمات حتّى تنضج. يقول الفنان التشكيلي الذي يعمل في مجال تصميم الغرافيك والديكور إنّ الهدف من هذه الدورة الفنيّة هو «تأسيس مجموعة مشاغل جديّة تكون كفيلة بتحسين حال القرى في عكار تدريجاً عوضاً عن التنظير الذي لا يؤدّي إلى أي نتيجة عمليّة».
كانت هذه الروحيّة وراء تسمية «المحترف»، إذ رأى المؤسسون أن مفهوم النادي والجمعيّة انتهى ولم يعد يفيد منطقة عكار بشيء، فأقصى ما تمكنت الهيئات المحليّة فعله كان تأليف لجان تضع خطط عمل، غالباً ما تبقى حبراً على ورق. العمل الفعلي على الأرض هو الذي سيؤدّي برأي الناشطين في المحترف القروي إلى تغيير حقيقي في واقع المنطقة المحرومة، ولو أتى ذلك التغيير بطيئاً.


لا يكاد يُسمع صوت كريستيل عبد المسيح عندما تكلّمها، لكنّ المفاجأة أنّ الفتاة التي تقول إنّها كانت تخجل قليلاً في السابق، ستغنّي منفردة وأمام كلّ الحضور أغنية «أعطني الناي وغنِّ» لفيروز. لقد ساعدها مشغل الغناء على تخطّي خجلها للمرّة الأولى.


يارا الخوري كانت الأكبر سنّاً بين المشاركين في صفّ المسرح، لكنّها أصرّت رغم ذلك على متابعته حتّى النهاية، فهي لم تكن تعرف كيف يقع الممثل على الخشبة، ولكنها الآن أصبحت بارعة في جعل الناس يتخيّلون أنها وقعت بعنف دون أن تؤذي ركبتيها.


مسابقة
قصة قصيرة

في إطار النشاط العملي الذي ينتهجه المحترف القروي، تنظّم اللجنة الثقافية مسابقة لكتابة القصّة القصيرة المستوحاة من الواقع المحلّي للمنطقة. تشمل المسابقة مدارس منطقة الجومة وقد قسّمت على فئات بحسب المراحل الدراسيّة واللغات وستوزّع الجوائز على الفائزين في تشرين الأول المقبل.