طرق التهريب بين سوريا ولبنان سالكة منذ سنين، وقوى الأمن اللبنانية تسمح بتهريب المحروقات والمواد الغذائية. لكن السوريين لم يعودوا يحتملون تهريب المازوت، فاتخذوا تدابير أمنية وقضائية مشدّدة لمنع إخراجه من بلادهم
البقاع ــ نقولا أبو رجيلي
تنفّذ قوات الأمن وحرس الحدود من الجانب السوري (الهجّانة)، منذ أكثر من أسبوع، إجراءات أمنية غير مسبوقة لمكافحة عمليات تهريب المازوت من أراضيها إلى لبنان عبر الممرات الجبلية والترابية.
وأدت التدابير السورية إلى انخفاض الكميات المهربة إلى الأسواق اللبنانية بنسبة 80%، بحسب ما قال لـ«الأخبار» أحد كبار المهربين في البقاع الأوسط. وأكّد «المهرّب» أن نقص المازوت المهرّب في الأسواق اللبنانية خلال الأسبوعين الفائتين ناتج من هذه الإجراءات الأمنية، التي تمثّلت بتكثيف دوريات الأمن وحرس الحدود على الجانب السوري. وقد استُقدِم لهذه الغاية عدد كبير من الجرافات التي ترفع حالياً سواتر ترابية عالية على الممرات الجبلية، لمنع مرور الآليات بمختلف أنواعها، وخاصة تلك التي يستخدمها المهربون على طرفي الحدود. وأضاف المهرب الذي اعتاد أن ينقل يومياً أكثر من 200 ألف ليتر من المازوت من سوريا إلى لبنان أن الإجراءات لم تقتصر على رفع السواتر التي استطاع المهربون عبورها سابقاً بآليات زراعية كبيرة وسيارات ذات دفع رباعي، بل أضيف اليها بناء جدران مرتفعة من الحجارة لقطع الطرق نهائياً. كذلك ضوعف عديد العناصر الأمنية بعدما بُدّلت الوحدات العسكرية المولجة بمكافحة التهريب، للحد من التواطؤ الذي يُعتَقَد أنه كان قائماً بين بعض المهربين وعدد من رجال الأمن. وأشار المهرب إلى أن شركاءه في الجانب السوري أبلغوه أن السلطات السورية أصدرت قانوناً يقضي بإصدار أحكام بالسجن تتراوح بين 6 و12 سنة بحق كل مواطن سوري أو أجنبي يُدان بتهريب المازوت من داخل الأراضي السورية إلى كل من لبنان والأردن وتركيا، على أن تكون العقوبة متناسبة مع كمية المازوت المهرّب. وشدّد القانون العقوبات بحق مقاومي حرس الحدود، فضلاً عن فرض غرامة تصل إلى 1000 ليرة سورية عن كل ليتر مازوت مهرب، وحجز الآليات المستخدمة. وذكر مهربون آخرون أن الآليات التي تعبر الحدود تخضع لتفتيش دقيق تقوم به الدوريات الأمنية داخل الأراضي السورية يطاول خزانات الوقود من خلال تحديد الكميات، بحيث يُسمَح بما يكفي الآلية لقطع المسافات المفترضة بين دمشق والقرى الحدودية فقط. وكل زيادة في الكمية تؤدي إلى حجزها وإلزام صاحبها بدفع الغرامة المناسبة. ولفت أحد المهربين إلى أن الكميات القليلة التي تدخل الأراضي اللبنانية حالياً تُنقل على ظهور البغال والحمير التي باستطاعتها عبور الطرقات الوعرة، بعيداً عن عيون الهجانة السوريين. كذلك هناك كميات محدودة تهرّب عبر الطرقات الترابية في البقاع الشمالي ومنطقة عكار بسبب عدم اكتمال إقفال الممرات بصورة نهائية. وعزا المهرب أسباب التشدد بمكافحة التهريب من الجانب السوري إلى النقص الحاصل في كميات المازوت في الأسواق السورية نتيجة تهريب المازوت المدعوم في سوريا إلى الدول المجاورة. وبحسب رأيه، فإن استمرار الوضع على حاله سيزيد من تفاقم أزمة المازوت في السوق اللبناني، «فكيف يمكن الدولة أن توفر أكثر من مليون ليتر مازوت كانت تهرّب يومياً من سوريا، وخاصة خلال الشهرين المقبلين عندما يبدأ المواطنون في القرى الجبلية بتخزين المازوت استعداداً لحلول فصل الشتاء؟». المهرّب يأمل أن تفتح زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لسوريا، خطوط التهريب، «وأن تعود الأمور إلى سابق عهدها، لأن مئات العائلات على طرفي الحدود تعتمد في معيشتها على تهريب المازوت».
مهربو المازوت في الشمال لا تختلف أوضاعهم عن زملائهم في البقاع، وإشارات البطالة بدأت تنتشر في صفوفهم، ولا أمل لهم في هذه الأيام سوى بعض الخراطيم التي تخرق الحدود لتوصل المازوت من سوريا إلى لبنان، بعيداً عن أعين رجال الأمن والجمارك.
والجدير بالذكر أن المجموعة الأمنية المشتركة التي تتولى مراقبة الجزء الشمالي من الحدود مع سوريا كانت قد تلقت أوامر من رئيس لجنة مراقبة الحدود المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي في شباط الماضي للسماح للمواطنين اللبنانيين بنقل المازوت والمواد الغذائية من سوريا «بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية في لبنان».
تجدر الإشارة إلى أن سعر صفيحة المازوت بحسب الجدوّل الأسبوعي الذي أصدرته وزارة الطاقة اللبنانية هو 38 ألفاً ومئة ليرة، فيما يتراوح ثمن صفيحة المازوت المهرّب حالياً بين 30 و32 ألف ليرة لبنانية بعدما تدنى سعرها إلى 26 ألف ليرة أواخر شهر تموز الفائت.