إيلي شلهوببعيداً عن لغة التفاؤل بالأعداد، فإن الرقم 8 لا شك في أنه دخل تاريخ القرن الحادي والعشرين، مدشّناً حقبة جديدة من النظام العالمي، تكرّس وجود معسكرين متصارعين في عالم متعدد الأقطاب والفاعلين الدوليين، تؤطّره عولمة اقتصادية في حالة تراجع ونزعات وطنية تستعيد حيوتها. حدثان محوريان عصفا بالعالم في 8/8/2008: الأول حمل اعترافاً دولياً بالصين إمبراطورية عالمية وبالعجز الغربي عن الوقوف في وجهها، ممثّلاً بأولمبياد حضره أكثر من 80 زعيم دولة، رغم حملات المقاطعة.
أما الحدث الثاني فكان التعبير العسكري الأول عن عودة روسيا «القيصرية» إلى الساحة الدولية وإقراراً دولياً بعدم وجود الرغبة، أو القدرة، على الوقوف في وجهها، ممثلاً بحرب أوسيتيا الجنوبية، التي طالت أراضي جورجيا، أبرز حلفاء واشنطن وأقواهم من الجمهوريات السوفياتية السابقة.
مسيرة طويلة حافلة بالتحديات عبرها «الدب» و«التنين»، خلال مرحلة مخاض ما بعد الحرب الباردة، أسقطا خلالها رهانات الغرب على لبرلة اقتصادية، فرضتها صيرورة عالمية، تستدرج لبرلة سياسية وتغييراً في نظام الحكم، ينعكس اندماجاً في النظام العالمي ويكرّس همينة أميركا ونموذجها الحضاري على المعمورة. الفضل في نجاح التجربة الصينيّة يعود إلى قدرة قادة بكين على الجمع بين تحرير الاقتصاد، استجابة لمتطلّبات السوق العالمية، وأوتوقراطية سياسية حافظت على تماسك الدولة والنظام. النتيجة كانت معدّلات نموّ صاروخية (10 في المئة) وفّرت للصين دوراً اقتصادياً مهيمناً على الساحة العالمية (تجارياً ومالياً)، وتعزيزاً لقدرتها العسكرية، التي تجاوزت مفاعيلها منطقة شرق آسيا.
أما الفضل في نجاح التجربة الروسية، فيعود إلى نخبة سوفياتية التربية وعسكرية الخلفية، بقيادة فلاديمير بوتين، تمكنت من إعادة فرض أوتوقراطية سياسية وتركيز المقدرات الاقتصادية (النفطية خصوصاً) بأيدي الكرملن، بعد سنوات اللبرلة العشوائية المصبوغة بالفساد والمافياوية في عهدي ميخائيل غورباتشيف وبوريس يلتسين. النتيجة كانت مشابهة: معدلات نمو صاروخية (7.2 في المئة)، مدعومة بارتفاع أسعار النفط، وإعادة بناء للقدرة العسكرية.
تقارب موسكو وبكين خلال الأعوام الماضية يبدو لافتاً (منظمة شنغهاي نموذجاً)، وغزلهما (السياسي والعسكري) لطهران ودمشق بالغ الدلالة.
وداعاً لرهانات... «المعتدلين العرب».