خضر سلامةالمدوّنات الشخصية ليست مجرد ظاهرة «عابرة»، بل يبدو أنها تزداد أهمية في عالم الغد الافتراضي، البلوغ الشخصي نعرفه بأنه موقع ينشئه صاحبه في أغلب الأحيان، ولكنه يمكن أن يكون موقعاً مخصصاً لشخصيات مهمة. جديدها عالم «البلوغز» إنشاء مدوّنة خاصة بيوميات الكاتب البريطاني إريك آرثور بلير، الذي عرف باسمه المستعار «جورج أورويل»، وذلك في الذكرى السبعين لبدء الراحل بكتابتها.
«عندما نقرأ لشخص يضع نفسه في كتاباته، سنشعر بأننا نرى وجهاً ما خلف صفحات ما نقرأ»، يقول أورويل في أحد مقالاته النقدية، والآن، أصبح من الممكن للمهتمين أن يبحثوا عن وجه صاحب الرائعة الأدبية السياسية «1984» على جدران مدونة افتتحتها جمعية «جائزة أورويل» البريطانية، سيقوم فيها المسؤولون عن هذا المشروع بنشر ورقة من مذكّرات الأديب المثير للجدل، يومياً حسب تاريخ مرور سبعين عاماً على كل كتابة.
وقد انطلق المشروع السبت الماضي مع نشر أولى يوميات الكاتب في 9 تموز 1938 خلال إقامته في المغرب، على أن تواظب المدونة على عرض أربع سنوات من حياة الكاتب الشخصية، متنقّلاً فيها أورويل بين «عدد البيض الذي وضعته دجاجتي اليوم» إلى رؤيته السياسية لانطلاقة الحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى نقده لنمو العملاق الشيوعي حينها في أوروبا، وليعبر فيها القارئ تجربة أورويل مع جرحى الحرب الأهلية الإسبانية، عائداً إلى لندن وأجواء الحرب الكبرى.
المشروع انطلق إذاً، ومقدّر له أن يقدم الجديد ــــــ القديم يومياً حتى عام 2012، ليغوص الزائر الإلكتروني في حياة منظم «مزرعة الحيوانات»، الرواية التي صفعت الستالينية يوماً، انطلقت بحماسة مع تعقيب على كل نشرة من جانب بيتر دافيدسون الذي قدّم عام 1998 مجلد أعمال جورج أورويل الكاملة، وبموافقة ومراجعة من ريشارد بلير، ابن الكاتب البريطاني بالتبني، وسط تباين في الآراء من جانب القرّاء، فبينما رحب البعض بهذا الكنز التاريخي والتوثيقي لمرحلة مهمة من تاريخ أوروبا السياسي ومن حياة أورويل الشخصية، أبدى آخرون انزعاجهم من «احتكار هذه الوثائق لأكثر من خمسين عاماً بعد رحيله» على حد قول بيير أسولين الذي رأى في مقالة له أن «هذه التجربة كانت ستبدو أكثر أهمية لو أننا قرأنا من قبلُ قبسات مما سينشر، ولم تبق المذكرات حكراً على الباحثين والمتخصصين الأدبيين»، أما المؤرخ برنار كريك، فانتقد نشر «خربشات» شخصية، تشوّه الصورة السامية والمميزة للغة أورويل ومكانته في الذاكرة العالمية أدبياً، وهذا ما يراه البروفسور جون سيتون، مدير جمعية جائزة جورج أورويل، خاطئاً، حيث إن تركيبة الصورة المقدمة عن الأخير، هي طريق بسيط برأيه، ليدخل المهتمون إلى «منزله» و«الشعور بالقدرة على العودة بالزمن لمراقبة الرجل الأسطورة في النقد السياسي اللاذع، وهو منكبّ على تدوين أشيائه» حسب سيتون.
دار النشر «ليو شير»، التي قدمت هذا العمل بالتعاون مع الجمعية البريطانية، وعدت بإدخال ترجمة فرنسية للمنشورات قريباً، على أن تترجم للغات أخرى إذا لاقت الإقبال المطلوب، صحيفة «التايمز» البريطانية أشادت من جهتها بهذه الخطوة التي فتحت أبواباً أمام التعرف إلى أورويل المزارع، البستاني، الصديق، وأيضاً السياسي، كما سيشعر عشاقه بحقيقة معاناته الصحية الطويلة التي أودت بحياته في النهاية.
«لرؤية ما يوجد أمام أنف أحدهم، نحتاج إلى كفاح مستمرّ» هكذا استطاع جورج أورويل، بكتابة مذكراته، صقل نفسه ونهاره أمام التحديات التي تنتظره في عالم الرواية والسياسة، والآن، يدخل بعد 58 عاماً على رحيله، في تحدٍّ جديد لشهرته، يطغى على تحوّل هذه المذكرات ليوميات إلكترونية تطالع المهتمين في أحضان جمهورية المدونات على صفحات الإنترنت، ليكون جورج أورويل ببساطة، مدوناً فوق العادة. أما العنوان فهو:
http://orwelldiaries.wordpress.com