رامي خريسعلى العكس من الانفجارات التي هزّت لبنان خلال السنوات القليلة الماضية، والتي كانت موضعية ومحدودة في استهدافها شخصيّات سياسية وصحافية وأمنيّة، جاء انفجار طرابلس ليكون مغايراً لجهة وقوعه في مكان عام، مستهدفاً إيقاع أكبر عدد من الضحايا.
أمّا توقيته فكان الأشد دلالة، فقد دُبّر ونُفّذ في لحظة سورية لبنانية فارقة، متمثلة في زيارة الرئيس اللبناني لدمشق، مع الأخذ بعين الاعتبار ما تحمله هذه الزيارة من أهميّة، ناهيك عن كون الانفجار قد وقع في اليوم الأول للحكومة اللبنانية التي نالت الثقة أخيراً بعد سجال سياسي طويل.
القنبلة وضعت في طرابلس لأنها أبدت أعلى درجات الحساسية ـــ في صورة عنف طائفي مسلّح ـــ للتوتر السياسي الذي ظلّ قائماً حتى بعد توقيع اتفاق الدوحة بين الفرقاء اللبنانيين.
وفي هذه اللحظة تحديداً، لأن هناك من يرى أن زيارة الرئيس سليمان إلى سوريا وفتح الملفات العالقة منذ زمن بين البلدين ومناقشها، يؤسس لعلاقة استراتيجية بينهما، وهو ما يعني عملياً وصول سياسة الطرف الإقليمي الذي سعى عبر حلفائه في
لبنان إلى رسم صورة مغايرة للعلاقة اللبنانية السورية إلى حائط مسدود.
من الصعب القول إنّ عملية الحسم الخاطفة التي قامت بها قوى المعارضة في أوائل أيّار الفائت قد انتهت مفاعيلها عند حلّ الاستعصاء الداخلي وتوقيع اتفاق الدوحة وتأليف حكومة الوحدة الوطنية.
كان على قوى المعارضة، وحزب الله تحديداً، أن يدرك أن الخطوة التي قام بها ستتضمن في المحصلة نزوع المزيد من جمهور السنّة في لبنان لتبني أطروحات سلفيّة متشدّدة، واستبدال «تيار المستقبل» المنهار والفاقد لشرعيته بصيغ أكثر نجاعة بالمعنى الطائفي الثأري بالنسبة للجمهور الجريح، وهو ما يقود موضوعياً لأن نصبح أمام تنظيم قاعدة لبناني، يستفيد من مناخ داخلي منهار ومحتقن طائفياً، وتمويل خارجي معهود من الأطراف العربية التي بقيت أمينة في دعمها للتيارات الظلاميّة، بالرغم من حديثها الصاخب عن محاربة الإرهاب ومعاناتها منه!
قنبلة طرابلس الأخيرة كانت مروّعة، لكن هناك قنابل أخرى تنتظر في المكان ذاته الذي يعيش سعاراً طائفياً منفلت العقال ـــ شاهدوا تسجيلات بعض الجهات السلفية اللبنانية وخطابها الطائفي على شبكة الإنترنت، والتي انتشرت في الآونة الأخيرة كانتشار النار في الهشيم ـــ بسبب عجز السياسة اللبنانية عن حل معضلاتها الداخلية وتأخير صيغ الحل الوطني والتقاعس عن حل المشكلات أولاً بأول، والانشغال بالتحشيد لانتخابات نيابية لن تغيّر كثيراً في صورة المشهد السوداوي.
طرابلس تنتظر جهداً لبنانياً وطنياً واعياً وصادقاً لإعادتها إلى مربع التعايش الأهلي
قبل أن يتحوّل لبنان كله إلى طرابلس واحدة ملتهبة.