ريمون هنّودلقد كفر العباد في لبنان بممارسات أهل السياسة وهرطقاتهم وخزعبلاتهم منذ عام 2005 حتى الآن، وخاصة ممارسات أولئك الذين «لا شغلة ولا عملة لديهم» إلا إطلاق سهامهم باتجاه المقاومة. وقصتهم مع المقاومة أمست مثل قصة إبريق الزيت، وبات يلزمنا منجّم مغربي لمعرفة ما إذا كانت المقاومة تأخذ من دربهم شيئاً، كاقتطاعها جزءاً من رواتبهم على سبيل المثال، أو منعهم من السفر والسياحة والنزول في أفخم الفنادق، أو منعهم من الخضوع لجلسات التدليك «الـMassage» على أيادٍ رقيقة وثيرة مثيرة، أو منعهم من تناول القريدس والكافيار واحتساء أفخر أنواع النبيذ المعتّق.
بتنا نحتاج إلى فتح مندل أو الضرب بالرمل لمعرفة ماذا يريدون من المقاومة، وكأن المقاومة هي التي فرضت الضرائب ورفعت أسعار المحروقات والمواد الغذائية، وشيدت مبنى خاص بالـ«TVA» وأوقعت البلاد في عجز مالي بلغ 50 ملياراً من الدولارات، أي العجز عينه الذي تعانيه اليابان، أول دولة صناعية في العالم! أم لوّحت سابقاً بمشروع التعاقد الوظيفي.
من حق كل عربي لبناني شريف أن يتساءل جرّاء هذه التصرفات الرعناء: هل تخلّى الكيان الغاصب عن أطماعه في وطن الأرز العربي؟ هل توقفت الطائرات الصهيونية عن العربدة في الأجواء اللبنانية ذهاباً وإياباً؟ هل تخلّى الكيان الغاصب عن توقه الشديد لرؤية لبنان مجموعة كيانات دينية مذهبية متناحرة؟ هل تخلّى عن وعد بلفور؟ هل تخلّى عن وصية بن غوريون؟ هل تخلّى عن بروتوكولاته الهدامة الإرهابية؟
ألم تعد فلسطين بالنسبة للبعض منكم ممّن كان ماضيهم مشرِقاً مشرّفاً قضية مركزية تُبذل في سبيلها الدماء والأرواح؟ ماذا تريدون من المقاومة؟ تريدون إلغاءها؟ ألا تدركون أن إلغاءها هو بمثابة إلغاء لأنفسكم، لأعراضكم، لشرفكم، لكيانكم؟
لو أن لكم مآخذ على المقاومة، يا سادة لقلنا إن المآخذ من صلب العمل السياسي الديموقراطي في لبنان، ولكن المكتوب يُقرأ من عنوانه.
القصة يا سادة ليست قصة مآخذ على المقاومة، إنما الخبر اليقين هو أنكم تشنّون أشنع حروب الإلغاء على المقاومة، وما شهدناه من خلال جلسات مناقشة البيان الوزاري وما أتى على لسان الأكثرية منكم في حق المقاومة هو خير دليل على سوء النوايا تجاهها. وإن تكن هناك من مآخذ، ضرورة ماسّة ومقدّسة، وأنا شخصياً، وكوني مواطناً يسارياً علمانياً عروبياً لبنانياً، لي مآخذ على المقاومة، أتمناها مقاومة وطنية شاملة كما كانت قبل منتصف ثمانينيات القرن الماضي، أتمناها مقاومة تعددية تجمعنا كلنا وطنيين وإسلاميين معاً. وبرأيي الشخصي المقاومة بحلّتها ورونقها التعددي تزيد من أوجاع العدو أضعافاً وأضعافاً. ولأحزاب اليمين المسيحي التي تحيا في عالم خاص بها، أتمنى لها وعلى شبابها الاتجاه جنوباً والإدراك أن عدونا جميعاً واحد لا ثاني له، وهو رابض متربّصٌ على حدودنا الجنوبية في أرض الحبيبة فلسطين التي اغتصبها وذبح أطفالها عام 1948.
وأتمنى عليهم وبحق دماء السيد المسيح التي أراقتها أيادي السفاحين أجداد أولمرت ونتنياهو وشارون وباراك وموفاز منذ ألفين وثمانية أعوام، معرفة عدوّهم، فاعرفوا عدوّكم، الصهيوني عدوّكم.
فعلى السادة اليمينيين القدامى والجدد الإدراك أن لا حياة لهذا الوطن «صمام أمان الشرفاء والممانعين في هذه الأمة»، إلا بدعم مقاومته وتأمين الرغيف لكادحيه. فثروة هذا الوطن الذي يجب أن يكون بعيداً كل البعد عن صفقات البترو ـــــ دولار، صفقات الإذعان والخنوع والاستسلام، هي زنود المقاومين وعرق الكادحين.
أمّا بشأن مَن لا يزال مصرّاً في رهانه على رياح الغرب، فلن أقول له: «الباب اللي بيجيك منّو ريح سدّوا واستريح»، لأن التجارب السابقة غير مشجعة، ولكن أفضل جواب يستحقه: اللي بيشتريك بيرجع ببيعك، لا تلعب بالنار، بتحرق صبيعك. فالمطلوب جمهورية مقاومة ورغيف. والمقاومة يا أحباء، يجب أن تستمر حتى انتهاء الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي ولو تطلّب ذلك عشرات السنين.