مع انتهاء الحرب اللبنانية عام 1991، بادرت مجموعة من سيدات دير الأحمر إلى القيام بأعمال تنموية تهدف إلى تمكين المرأة البقاعية في محيطها في إطار رابطة كبرت مع الوقت لتحصد جائزة في دبي عام 2002
دير الأحمر ــ رامح حمية
«تنمية المجتمع المحلي للإسهام في بناء الوطن»، هي الحلم الصغير الذي راود بضع نساء في قرية بقاعية ريفية، فعملن على تحقيقه بخطى ثابتة، في ظلّ مجتمع ذكوري غيّب دور المرأة في ميادين عديدة. جهد تكلّل بالتفوق عام 2002 بعدما حصدت الرابطة جائزة دبي العالمية لأفضل الممارسات في مجال تحسين ظروف المعيشة بعدما أثبتن حضورهن بين 550 مشتركاً من 90 دولة.
ولد هذا الحلم خجولاً بعد الحرب الأهلية اللبنانية، معتمداً على موارد المتطوّعات فقط، في محاولة لإظهار قدراتهن في الإسهام في بناء الوطن، عبر توفير الاستدامة التي تحفظ غنى المنطقة وتنشّط السياحة البيئية الريفية وتشجع الزراعات الصديقة للبيئة، فضلاً عن تعزيز مساواة الجنسين وتمكين النساء من توفير مداخيل لهن ولعائلاتهن.
تقول رئيسة الجمعية دنيا الخوري إن «الحلم بدأ عام 1991 مع عدد من المتطوّعات، وكانت باكورة أعمالنا معرض للأشغال اليدوية، اشترينا لوازمه بمئة دولار». بعدها توالت النشاطات بموارد ضئيلة جداً وعلى عاتق المنتسبات «بقينا نعمل وفق هذا النمط حتى الولادة القانونية والرسمية للرابطة عام 1994 تحت علم وخبر 81/ اد، عندها بدأنا نبذل جهوداً إضافية لتعديل استراتيجية العمل من خيري اجتماعي تقليدي إلى مؤسساتي يهدف إلى تنمية المهارات». لتحقيق هذا الهدف، بدأت السيدات التواصل مع القطاع الأهلي والرسمي (بلديات ووزارات) ومؤسسات دولية وسفارات (ألمانيا ــ إيطاليا ــ كندا) «تمكنّا من بناء مركز للرابطة وتجهيزه بكلّ المعدات اللازمة».
يندرج عمل الرابطة الحالي ضمن استراتيجية «تمكين المرأة الريفية وتحسين مستواها العلمي والاجتماعي، وذلك من خلال دورات تدريبية على تحضير المنتَجات الريفية والأعمال اليدوية والحرفية والمواد الغذائية». الهدف الثاني «حماية البيئة وتعزيز سياحتها عبر برامج وحملات توعية للتعريف بثروات المنطقة وتنظيم ورش عمل وكتيّبات وبيوت ضيافة للسياح والزائرين».
والتمويل في مقدمة الصعوبات التي تواجه رابطة سيدات دير الأحمر، لكونه إذا توافر يأتي مشروطاً بإنهاء العمل، ما يتطلب جهوداً جبارة لإنجازه، وخصوصاً أنّ «الوضع الاقتصادي السيئ لا يساعد أبداً، فنحن ننتج مؤونة مثلاً ولا نجد سهولة في تصريفها، لذلك نلجأ إلى الخارج الذي يحتاج إلى مواصفات محددة وطرق خاصة». وأكدت «أنهن تمكنّ بسعيهن الدؤوب من توفير أسواق للتصريف وتطوير تصريف الإنتاج عبر الإنترنت».
أكثر من ألف امرأة وشابة شاركن في دورات تدريبية مختلفة، وتمكن عدد كبير منهن من تأسيس مشاريعهن الخاصة التي تعود عليهن وعلى عائلاتهن بالدخل الجيد. تقول ريما برقشي (40 عاماً)، ربة منزل وأم لأربعة أولاد، إنها انتسبت إلى الرابطة وخضعت للعديد من الدورات وشاركت في معارض محلية ودولية، حتى باتت اليوم المدرّبة على الصيانة الغذائية، وتضيف: «لقد أصبحت امرأة منتجة، وأشعر بالسعادة الكبيرة عندما أدرّب النساء على الإنتاج الغذائي السليم». تُسهم برقشي في تدريب النساء على صنع المؤونة الصحية والسليمة، من خلال دورات في لبنان والأردن وبعض الدول العربية، وتقول: «صحيح أننا نصنع المؤونة في بيوتنا، لكن ثمة أمور تجهلها سيدة المنزل ولا داعي للخجل من عدم المعرفة، فالإنسان بحاجة إلى التوعية والتعليم، لأن الحياة عبارة عن اكتساب وتعلم».
أما السيدة ناديا عاقوري (72 عاماً) فقد شاركت في العمل بعدما «تزوج أبنائي ووجدت نفسي أعيش فراغاً قاتلاً، ما دفعني إلى خوض غمار منفعة المجتمع، حتى إن عائلتي أصبحت تفيد من الدورات القيمة التي أخضع لها».
تقول الخوري: «البقاع منطقة زراعية بامتياز، غنية بالمياه والآثار، فضلاً عن كونها تزخر بطاقات بشرية هائلة لا يستهان بها، فلماذا تبقى مهمشة؟».