تحول الظروف الصعبة دون عودة بعض الطلاب اللبنانيين المغتربين لقضاء العطلة الصيفية بين أهلهم وأحبائهم. فالطلاب يواجهون مصيرهم في الغربة دون أي غطاءٍ أو دعم رسمي أو مؤسساتي
خضر سلامة
يفرد صيف كل عام مساحةً من الحنين لعودة الطلاب اللبنانيين المغتربين لقضاء إجازتهم السنوية في أحضان أسرهم. لكن هذه العودة يُستثنى منها طلابٌ يطول غيابهم ليسحقهم الشوق تحت وطأة الشروط القاسية، فتسقط أشهر الصيف كما سابقاتها في دوامة الغربة.
حين أنهى شربل (21 عاماً) سنته الجامعية الثالثة في فرنسا هذا العام، كان يتشوق للعودة إلى لبنان، «لقضاء أول صيف هادئ سياسياً وأمنياً منذ مدة طويلة». لكن كان من المستحيل، بحسب شربل، العثور على حجز إلى مطار بيروت، على الأقل بسعر معقول، مشيراً إلى أنّ أسعار الحجوزات وصلت إلى حدود خيالية، لتتجاوز في الأسابيع القليلة الماضية ألفاً ومئتي يورو، «وطبعاً طيران الشرق الأوسط، المفترض أنه شركة لبنانية، ليس في خدمة المواطن، إذ تتجاوز أسعار الشركة في المواسم العادية، قدرة الطالب الشرائية»، يكمل شربل ممتعضاً، «لذا صرفتُ النظر عن العودة، فلا أستطيع أن أدفع ربع مصروفي السنوي ثمن تذكرة طائرة».
لم يكن الضغط على الرحلات المتوجهة إلى لبنان هو العائق الوحيد أمام الطالب اللبناني، فلدى عبد الله غدار (23 عاماً) مشكلة أخرى، لأن تأمين مصروف العام المقبل يتطلب تضحية بالعطلة على مائدة عقد عمل يمتد ثلاثة أشهر. يمضي عبد الله الصيف في باريس، «حيث فرص العمل أوسع، والمقابل المادي أكبر من مثيله في مناطق الأطراف»، ويشرح وضعه المادي قائلاً: «السنة الدراسية في ميلوز (مدينة شرقي فرنسا) تكلّف الطالب نحو خمسة آلاف يورو سنوياً، ومع ارتفاع سعر اليورو عالمياً، وتدهور الوضع الاقتصادي في لبنان، من الصعب الاستمرار في الاعتماد على تحويلات الأهل، لذا لجأت إلى استغلال العطلة الصيفية في دوام عمل كامل يؤمن لي الجزء الأكبر من مصروف السنة المقبلة».
في المقابل، تدخل عوامل أخرى على خط سرقة الانتظار الطويل من يد الطالب المغترب، وهو حال سامي، الطالب الذي أنهى القسم الأول من دراساته العليا في ألمانيا، ويقضي وقته الآن في البحث عن حجز لرسالة الدكتوراه العام المقبل: «تقديم الطلبات، وإجراء المقابلات، يتطلب وجوداً يومياً وشخصياً، لذا فضلت تأجيل زيارتي السنوية حتى عطلة رأس السنة».
يذكر أن تعامل الطلاب اللبنانيين مع مشكلاتهم الطارئة يعتمد في بعض الحالات على الجهد الفردي، وفي حالات أخرى على تشارك وتعاون جماعي، كالجمعيات الطلابية التي يتعاون المنتسبون إليها في تبادل عروض العمل، أو عروض السكن المؤقت للوافد الباحث عن مصدر تمويلي، وفي مجال تبادل الخبرات الدراسية والعلاقات العامة للباحثين عن اختصاصات ما أو رسم بياني لسنتهم المقبلة، أو في مثال الصداقات التي تتكوّن داخل «بلوكات» متنوعة، حيث يستعين الأصدقاء بعضهم ببعض لعبور أزماتهم.
وسط هذه النماذج، هل محكوم على الطالب اللبناني، خارج البلاد كما داخلها، تقديم التضحيات، وحده دون أي غطاء أو دعم رسمي أو مؤسساتي ينظر بعين مسؤولة إلى وضع الشباب المغترب ولو حتى استشارة، كالمراكز المعتمدة في سفارات دول كثيرة؟