مصرع «أبو النار» في التبانةطرابلس ــ عبد الكافي الصمد
لم تستفق طرابلس من هول الصدمة البادية على وجوه أبنائها بعد انفجار شارع المصارف، أول من أمس، حتى عاد التوتر بعد الظهر بين التبانة وجبل محسن، بعدما قُتِل أحد أبناء منطقة التبانة برصاصة راجت في المنطقة شائعات بأنها أطلقت من جبل محسن.
شارع المصارف لا يزال مقفلاً أمام المارة والسيارات، في ظل حراسة أمنية مشددة، فيما شيّعت المدينة من سقطوا من العسكريين والمدنيين. أما الجرحى الذين نقلوا إلى المستشفيات، داخل طرابلس وخارجها، فقد غادر معظمهم، عدا من نقلوا إلى مستشفيات العاصمة نظراً إلى خطورة إصابتهم، أو الذين لا يزالون يحتاجون إلى وقت إضافي للمعالجة قبل السماح لهم بالمغادرة.
فبعد لحظات من وقوع الانفجار، كانت سيارات الأجرة والإسعاف تنقل الجرحى والمصابين إلى مستشفيات طرابلس. وكعادته، نال المستشفى الإسلامي حصة الأسد من القتلى والجرحى. فعدا عن وصول 4 شهداء إليه (3 عسكريين ومدني)، استضافت أسرّته 22 جريحاً، معظمهم من عكار وطرابلس، إلى جانب آخرين من الضنية والمنية والكورة وزغرتا.
وإذا كان الشهداء الذين قضوا في الانفجار، وخصوصاً العسكريون منهم، قد جرت مراسم دفنهم أمس، فإن جرحى المستشفى الإسلامي غادروه في اليوم ذاته، ما عدا 5 منهم بقوا فيه، بينهم 3 يعالجون في قسم الإنعاش، ومنعت الزيارات عنهم، فيما ينتظر خروج الجريحين الآخرين اليوم أو غداً على أبعد تقدير. وفي قاعة الانتظار داخل المستشفى الإسلامي، تراجعت أعداد الموجودين فيها أمس بشكل لافت، مقارنة بما كانت عليه يوم الانفجار، إذ اقتصر الأمر على بعض النساء اللواتي أعربن عن أملهن في خروج نسيبهن قريباً بعدما تبيّن أن إصابته ليست خطرة، وإن احتاجت إلى بقائه يوماً إضافياً آخر أكثر من البقية، لكن «المهم أنه نجا، وكتبت له حياة جديدة»، تقول والدته.
في موازاة ذلك، كان مستشفى المظلوم قد استقبل 10 جرحى، معظمهم من العسكريين، إلا أن «جروحهم كانت بسيطة، عدا أحد الجرحى المدنيين الذي كان يحتاج إلى صورة سكانر، فنقل إلى مستشفى الكورة لهذه الغاية»، وفق ما أوضح أحد العاملين في المستشفى.
لكن ما لفت الانتباه في هذا السياق، أنه أثناء تشييع العسكريين التسعة في ملعب طرابلس الأولمبي، أمس، كانت زوجة أحد الشهداء تصرخ قائلة إن زوجها «وصل إلى المستشفى حيّاً، ولكنهم تأخّروا في إسعافه فمات!». فما كان من بعض أقاربها الذين كانوا برفقتها إلا أن تدخلوا وأبعدوها عن الصف الأمامي إلى الخلف، ومنعوا مندوبي وسائل الإعلام من الاقتراب منها أو التحدث إليها، ثم أخرجوها بسرعة فور انتهاء مراسم التشييع.
التشييع الذي نظّمه الجيش في ملعب طرابلس الأولمبي، وهو مكان بعيد نسبياً عن اكتظاظ المدينة وفلتانها الأمني، حضره قائد الجيش بالإنابة اللواء شوقي المصري الذي ألقى كلمة قرب نعوش العسكريين التسعة التي لُفَّت بالعلم اللبناني، فيما نعى الجيش شهيده العاشر، وهو الرقيب الشهيد مصطفى علي الشل (من مواليد بعلبك عام 1971).
وبعد ظهر أمس، عاد التوتر إلى أشده بين منطقتي التبانة وجبل محسن، وقد قُتِل أحمد الشيخوني (لقبه أبو النار، 40 سنة) في منطقة التبانة، وهو أحد مسؤولي المحاور في أفواج طرابلس المقرّبة من تيار المستقبل. وقال شهود عيان إنه أصيب برصاصة في كتفه أوقعته أرضاً من دون أن يسمع من كانوا قربه صوت الطلق الناري، مما أدى إلى انتشار شائعة بأنه قُتِل برصاصة قنّاص من منطقة جبل محسن. وذكر عدد من أهالي المنطقة أن الشيخوني من مسؤولي المحاور العسكرية الذين يتمتعون بشعبية كبيرة في المنطقة، وأن مناصريه يطالبون بتسليم مطلق النار عليه لكي تهدأ الأمور.

«الدفاع النيابية»: دعم القوى الأمنية

وبهدف البحث في الوضع الأمني في البلاد، عقب انفجار طرابلس، عقدت لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات جلسة قبل ظهر أمس، برئاسة النائب سمير الجسر، وبحضور أعضائها ووزير الداخلية زياد بارود ومدير الاستخبارات في الجيش العميد جورج خوري.
وبعد الجلسة، أعلن النائب الجسر أن اللجنة أخذت علماً «بالطلب المقدم من قيادة الجيش إلى الحكومة لتوفير الإمكانات المادية اللازمة لدعم الجيش في العديد والتجهيزات والأمن الوقائي». وأضاف الجسر أن وزير الداخلية قرر أن «يرفع طلباً بكل حاجات قوى الأمن الداخلي، بما يساعد على دعم هذه القوى في عديدها وتجهيزاتها وحاجات الأمن الوقائي». وقررت اللجنة رفع توصية إلى مجلس الوزراء للإسراع في توفير الدعم للجيش والقوى الأمنية، فضلاً عن إحالة هذه القضية إلى المجلس العدلي.
من ناحية أخرى، استمرت الهيئات والمنظمات الدولية والمحلية العربية والشخصيات السياسية والنقابية في لبنان بإدانة جريمة طرابلس. ومن أبرز ما صدر أمس بيان عن مجلس الأمن الدولي تلاه سفير بلجيكا في الأمم المتحدة، جان غرولس، الذي يترأس المجلس، أكّدت فيه الدول الأعضاء ضرورة إحالة منفذي الاعتداء إلى القضاء». وشدد المجلس على ضرورة «وضع حد للإفلات من العقاب في لبنان»، معرباً عن «دعمه التام والكامل للجهود التي تُبذَل لمكافحة الإرهاب وترسيخ المؤسسات». ووزعت السفارة الروسية في لبنان بياناً تضمن تصريح الناطق الرسمي بلسان وزارة الخارجية الروسية أندريه نيستيريكو، الذي قال «إن الوضع في شمال لبنان يثير القلق»، داعياً إلى «عدم الوقوع في الاستفزاز الذي يقوم به من يريد عرقلة حركة التقدم على طريق الوفاق الوطني نحو لبنان سيد مستقر ومزدهر».
وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط أعرب عن «القلق إزاء العمليات التي تستهدف الجيش اللبناني الذي يعدّ رمزاً لوحدة البلاد». وأكد أن مصر «مستمرة في مساندتها للدولة اللبنانية بمؤسساتها الدستورية وللجيش اللبناني في وجه أي طرف يسعى لإشعال الفتنة».


إضعاف القدرة على المقاومة