محمد محسنيحمل الزبائن مشترياتهم في أكياس سوداء أو ملوّنة، ويخرجون من المكان ذاته الذي دخلوا منه. مكان أشبه بالمتجر، لكن مع بعض الفوارق «الجوهرية». لا وجود لباب المتجر، ولا لصندوق يدفعون عنده ثمن البضائع. الأمور غير منتظمة، والتاجر يدير «بسطته» عشوائياً. تحوي الكثير من الأحياء لا بل الأسواق الشعبية نمطاً مختلفاً من المشاريع التجارية، التي لا توضع في خانة المشاريع الصغيرة، بل في خانة أخرى ترتبط بظروف استثنائيّة. إذ تحتلّ البسطة حيّزاً واسعاً في الحياة الاقتصادية لطبقة الفقراء، فهي تستطيع تأمين ما تعجز جيوبهم عن تأمينه حين تمتد أياديهم لسحب البضائع عن رفوف محلات تبيع أنواعاً محدّدة من البضائع لزبائن محدّدين. بعيداً عن هموم الزبون التي لا تنتهي، تظهر مجموعة من العوامل التي تدفع بتجّارٍ فقراء للـ«تبسيط» على أرصفة بعض الطرق والشوارع. يأخذ أصحاب البسطات على عاتقهم تبرير وجود «متاجرهم النقّالة»، فيربطونها بغلاء المعيشة وبتراجع القدرة الشرائية للفرد ومتوسط الدخل أمام الارتفاع الهائل للأسعار: فهو يوفّر من خلال «تبسيطه ببضاعته على الرصيف» إيجار محلٍّ في حي شعبي يبدأ من سبعمئة دولار للمحل الصغير الذي يقاس بمساحة تقارب العشرين إلى ثلاثين متراً، ويقع في شارع محاذٍ للخط العام، أو في شارع داخلي. بينما ترتفع أسعار إيجارات المحلات في بعض الشوارع إلى ألف ومئتي دولار، وتصل في أحياء شعبية مكتظّة إلى ألف وسبعمئة دولار. فافتتاح محل في منطقة شعبية لا يعني بالضرورة تدني مستوى استئجاره. تتّسم بضاعة هذه المحال بنوعية جيدة، أسعارها لا تقوى جيوب الفقراء على تحملها، وهذا ما يدعو تجار البسطات إلى «فرش» بضاعتهم الوطنية فوق طاولة أو صناديق كثيرة، هي بمثابة البديل عن محلٍّ مسقوف، لا تكفي أسعار بضائعه لسدّ إيجاره الشهري. تنتشر على طاولات البسطات وشراشفها أنواع مختلفة من البضائع تكاد تضاهي في الشكل بضائع المحال، من عطورٍ مقلّدة وملبوساتٍ وطنية وبالية، إضافةً إلى أدواتٍ كهربائية تكفي لرسم ابتسامة على وجه والد فقير، أو ربة منزل تحتاج إلى توفير أدنى احتياجاتها المنزلية. أما بعض المنتوجات الغذائية المعروضة على البسطات فأسعارها أقل من تلك الموجودة في الاستهلاكيات والدكاكين، وكذلك نوعيتها التي تُعدّ من الناحية الغذائية أسوأ من نظيراتها الموجودة في المحال المقفلة. تقدّم البسطات «حاجياتٍ» تسمح لربّ أسرةٍ فقيرة بأن يعود إلى منزله حاملاً حاجيات متواضعة، تكفي عائلته الحاجة إلى غيره من الناس. رغم كلّ هذا يبقى التنظيم مطلوباً، على قاعدة تقدير حاجات الشرائح المختلفة.