غالباً ما يضيع وقت الزائر بين سوق الحميدية، باب توما، ساحة المرجة، الميدان وغيرها من الأماكن. فينشغل بين «الكبة الصاجية»، اللحوم على أنواعها، البابا غنّوج (ولابقلو)، «بوظة المدّ»، القطنيات، الصابون، والخشبيات. ويجمع بين كل هذه الأماكن وهذه المنتجات، صوت السيدة فيروز الذي يبقى «شغّالاً» ليل نهار في المدينة السورية، عكس ما هو معتاد في بيروت حيث تنحصر هذه الأغاني في الصباح.ويزداد تعلّق أهل الشام بصوت فيروز عندما يغني ما كُتب عن المدينة: ضفّتاكِ ارتاحتا في خاطـري/ واحتمى طيركِ في الظّنِ وحام. نُقلةٌ في الزهـرِ أم عندلـةٌ/ أنتِ في الصحوِ وتصفيقُ يمام. سائليني يا شام.
أمام قلعة دمشق، حيث يرتفع تمثال لصلاح الدين، زحمة زوار غرباء، تخلو أيديهم من أكياس التبضّع، يكتفون بحمل حقائب صغيرة تحوي ما يحتاجون إليه من ماء وبسكويت وآلات تصوير وتسجيل. يجلسون في الظلّ قليلاً، يخرجون إلى الشمس، ثمّ يعودون هرباً من اللهيب، يدردشون، يمزحون، فيما عين كلٍّ منهم على ساعته لتجيء الساعة الثامنة وتُفتح أبواب القلعة.
حان الموعد ودخل الجميع، وسرعان ما يسرق أداء أصحاب الأرض اهتمام هذه المجموعات الغريبة الزائرة التي حضرت لحضور زياد الرحباني والفرقة الموسيقية الكبيرة التي حضرت معه لإحياء بعض سهرات احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية.
استمتع الشاميون بكل ما دار على المسرح، إلى أن أتت ساعة الختام.
تختلف صرخات الجمهور الشامي وتصفيقه عن صرخات وتصفيق قصر الأونيسكو أو غيره في بيروت. حتى البكاء عند خروج زياد عن المسرح يختلف عما هو في بيروت، إذا وُجد (البكاء)، معبّراً عن امتنان أو «تأليه». فينفجر كبت وحرمان «أتباع الرحباني الابن» من إطلالات الأخير. وقد اعترف عازف البيانو أمام جمهور الشام بأنّ الحضور ليس كالمعتاد، فعاد من الكواليس وكرّر أغنيتين.
جاء حضور زياد الرحباني ليخفّف من هموم الشاميين، إلا أنّ السيدة فيروز تبقى الأقرب والأقدم في مراعاة مشاعرهم. عاد أهل الشام إلى همومهم وفيروز، فيما كانت تلك المجموعة الزائرة تبحث عن وسيلة نقل تعيدها إلى بيروت.

نادر...