فداء عيتانيمع كلّ أزمة تمرّ على هذه البلاد، يمكن للبشريّة جمعاء أن تشكر اللّه على كون لبنان مجرّد بلد هامشيّ ولا حاجة كونيّة له، فلا ينقص بني البشر بلد فاشل كلبنان ليصدّر لهم أزمات ومشكلات مستعصية، ليس لاستحالة إيجاد حلول لها، بل لأن أهل البلاد يخترعون مشكلاتهم ويتمسّكون بها.
خذْ مثلاً طاولة الحوار التي هي نفسها مشكلة، إذ أين دور السلطات والنظام الإداري ـــ السياسي لهذه البلاد، حتى يذهب قادة الطوائف والمذاهب ليجتمعوا ويقرّروا على أي وجه نتدبّر لبنان؟ ففي الأنظمة في كل دول الرب الخلاق، حتى التعديلات الدستورية وتعديل أنظمة الحكم القانونية تأتي من داخل المؤسسات الحاكمة، وإلا ينفرط عقد الإدارة للبلاد، وتصبح عرضة للتدخّل كل يوم وكل لحظة من قوى راغبة في تعديل القوانين لتصبّ في مصلحتها.
فإذا لم يكن البرلمان هو من يعبّر عن توازن القوى في البلاد واتجاهات تمثيل المصالح العامة، فمن هو الطرف الذي يزعم أنّه يمثّل هذه التوازنات؟ ولماذا الإنفاق على البرلمان ما دام 14 شخصاً يمكنهم الحلول مكانه وتقرير مصير البلاد؟ تماماً كما حصل في الدوحة، حيث جرى تجاوز كل البلاد ومؤسساتها، ليُتّفق من خارجها على نقاط لا تعني المواطنين لا من قريب ولا من بعيد.
كان الحق إلى جانب الرئيس حسين الحسيني في ما طرحه في البرلمان، وكذلك إلى جانب الوزير السابق بهيج طبارة في ما ذهب إليه من وصف البيان الوزاري وملاحظاته على الحكومة. والمشكلة ليست في أن الطبقة السياسية لا يمكنها تجديد النظام القائم، بل في أنها أوّلاً تسعى إلى تأبيد ذاتها ونهبها للبلاد، دون أن نستثني أحداً من هذه المعادلة التي حين تحاجج من يفترض في نفسه تمثيل مصالح الفقراء، يجيبك بأن هذه البلاد تدار هكذا «بالفطرة».
سيجلس ممثّلو التركيبة والطوائف اللبنانية قريباً إلى طاولة الحوار، وكأنّهم الحلفاء يجلسون إلى طاولات اقتسام العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، إلا أن العالم الذي سيتقاسمه هؤلاء في بلادنا، يكاد لا يتعدّى بيروت وبعض مناطق جبل لبنان، و30 مقعداً وزارياً و128 مقعداً نيابياً، وديوناً تبلغ أضعاف الناتج المحلي.