لم يتقاضَ 30% من أصحاب البيوت المهدّمة في الضاحية الجنوبية إلى اليوم تعويضات الدفعة الأولى لإعادة الإعمار. أسباب كثيرة تقف خلف هذا التأخير مثل الروتين والقرارات الغامضة التي تهدّد عودة نسبة كبيرة من المواطنين إلى بيوتهم
مهى زراقط
يعجّ المبنى الذي تشغله «وعد لإعادة إعمار الضاحية» بحركة العاملين، إلا أنّ الطبقة الأولى من المبنى تشهد حركة مضاعفة. هناك يوجد قسما المالكين والشؤون القانونية حيث لا تزال تُستقبل طلبات المواطنين ومراجعاتهم المتعلقة بآلية الحصول على التعويضات والبحث عن حلول للكثير من المشاكل العالقة التي تعيق إعادة الإعمار.
فبعد مرور عام وثمانية أشهر على صدور القرار 146/2006 الذي حدّد آلية تقاضي التعويضات، لا يزال المواطنون يواجهون صعوبات متعددة في تحصيل حقوقهم، حيث لم يتقاضَ 30% منهم الدفعة الأولى إلى اليوم. بعض هذه الصعوبات سببه الروتين، وبعضها الآخر سببه القرارات غير الواضحة، ولا سيما في تحديد العلاقة بين المالك والمستأجر القديم الذي أدى إلى قيام دعاوى قضائية تهدد عودة نسبة كبيرة من المواطنين إلى بيوتهم.

رفض التوكيلات

يحتار مدير قسم المالكين الشيخ منير مكي من أين يبدأ بتعداد المشاكل اليومية التي يواجهها في عمله مع المواطنين. ينظّم أفكاره على ورقة قبل أن يكتشف أن البداية سهلة: منذ تقديم الطلب... ولا سؤال عن النهاية، فرحلة الوصول إلى الشيك، المليئة بالمطبات، تنتهي بمفاجأة تظهر أن تاريخ إصداره يعود ستة أشهر إلى الوراء عن تاريخ تقاضيه «ولا نعرف لماذا؟».
يقول مكي إنه «حتى الآن ثمّة طلبات في الوزارة لم تُرسل إلى صندوق المهجرين، ما يعني أنها ناقصة من دون أن يتبلّغ المواطن أن هناك نقصاً في ملفه سواء عندما تقدّم به أو لاحقاً». إلا أن هذه المشكلة وجدت لها «وعد» حلاً بتكليف شاب من قبلها يتولى الكشف عن النواقص بالتنسيق مع المدير العام لوزارة المهجرين «الذي يسهل الأمر مشكوراً». لكن المشكلة التي لم يوجد لها حلّ إلى اليوم هي عدم تحديد آلية لقبض بعض الحقوق مثل تعويض الأقسام المشتركة الذي تبلغ قيمته 50 مليون ليرة: «نعمل وفق قاعدة الصحيح أو الخطأ، وقد أرسلت 4 طلبات: واحد إلى الهيئة العليا للإغاثة، ثانٍ إلى الصندوق وثالث إلى الوزراة ورابع إلى «خطيب وعلمي» عن مبان أُنجزت ونحو 92 مبنى ارتفعت فوق سطح الأرض من دون أن نحصل على إجابة».
بين هاتين المشكلتين، نتعثّر بالعشرات، أبرزها رفض الدولة توكيلات الأهالي لمشروع «وعد»: «وهذا أمر مخالف للقانون». وقد أدى هذا الرفض إلى تأخير كبير كان يمكن تفاديه «غرقنا في الروتين، وعوضاً عن أن تنجز المعاملات دفعة واحدة باتت تنجز بوتيرة بطيئة ولا تخلو من عرقلة».
يكشف مكي أن عدداً من الطلبات ردّ لأن تاريخ إخراج القيد تجاوز ستة أشهر، وهناك طلبات تتوقف شهوراً بسبب طابع مالي». كل هذه المشاكل كان يمكن حلّها بسهولة «لو عمل المسؤولون وفق ذهنية الرغبة في خدمة أناس نكبوا في الحرب ويعيشون اليوم خارج بيوتهم».
ويقدّم بعض الأمثلة: هناك الشيكات التي تصدر باسم المستفيد الأول: أحياناً يكون المستفيد الأول مسافراً وقد تكلّفه عودته إلى لبنان لتقاضي الشيك مبلغاً كبيراً، لماذا لا يحرّرون المواطنين من هذا الشرط كأن يصرف الشيك لمصلحة المالكين مجتمعين أو لجنة المبنى لإعادة الإعمار أو القبول بالوكالات؟ هذا المثال يمكن أن ينطبق أيضاً على شقق لم يجرِ فيها حصر الإرث ويملكها مجموعة أشقاء «قد يكون أحدهم مفقوداً، لماذا لا يسهلون حلّ مشاكل مماثلة؟».
مثال آخر على الروتين المعيق: «بعض الأبنية صنّفت بداية للترميم وتبيّن لاحقاً أنها يجب أن تهدم كلياً. كان يمكن عوضاً عن ذلك القول لكل شخص اذهب إلى الوزارة واستبدل إفادتك البلدية التي كانت تفيد أن المبنى للترميم، بأنه بات للهدم، الاستعاضة برسالة واحدة من البلدية تفيد ما سبق».
من هذه المشاكل نتجه إلى الأصعب التي تشهد نزاعات قانونية، مثل العقارات المهدّمة غير المفرزة، التي يصل عددها إلى 33 (نحو 400 مبنى) «لم يتقاضَ شاغلوها إلى اليوم أي تعويض رغم تقديم كلّ الأوراق والمستندات التي تثبت أن العقار كان قائماً ومشغولاً».
كما لم يتقاضَ أصحاب العقارات المحجوزة لمصلحة الغير أي تعويض، ويعمل قسم الشؤون القانونية في «وعد» على معالجة هذه القضايا سواء مع الحاجزين من مصارف أو مؤسسات للعمل على رفع الرهن. «قد يكون الحلّ أحياناً بأن تقوم «وعد» بدفع قيمة الرهن لكي يستطيع صاحب الملك تقاضي تعويضه» يقول المسؤول عن الشؤون القانونية عادل قانصوه.

المالك والمستأجر

ما سبق هو بعض المشاكل الصغيرة، إلا أنّ مشكلة رئيسية تكبر مع الوقت ترتبط بالعلاقة بين المالك والمستأجر القديم، حيث أدّت ضبابية القرار 146/2006 إلى حصول مشاكل بينهما باتت الآن في القضاء اللبناني. فقد جاء في الفقرة السادسة من القرار الذي حدّد آلية دفع التعويضات عن «الوحدة المهدّمة كلياً التي كانت مشغولة بالإيجار» بالنسبة إلى المستأجر القديم، الآتي:
1- تعطى المساعدة للمالك في حال قرّر إعادة البناء مع حفظ حقوق المستأجر حسب القوانين المرعية الإجراء.
2- في حال الاتفاق بين المالك والمستأجر (بموجب اتفاق لدى الكاتب العدل) تعطى المساعدة وفق الاتفاق الموقع بينهما، بعد حفظ حقوق باقي المالكين واتخاذ الإجراءات اللازمة لتسهيل عملهم في إعادة البناء.
3- في حال عدم رغبة المالك بإعادة البناء (أو عدم إمكانية البناء) وعدم الاتفاق مع المستأجر يبقى للمستأجر الحق بالتعويض، إذا وجد، من المالك. وفي هذه الحالة وبعد حسم قيمة مساعدة الأثاث يعطى المالك 65% من رصيد قيمة المساعدة والمستأجر 35% منها وتطبق أحكام القوانين النافذة على أن تكون المساعدة التي قبضها جزءاً من التعويض المذكور أعلاه.
يقول المحامي قانصوه، إن الوزارة عاملت جميع المستأجرين وفق البند الثالث، أي دفعت 35% من قيمة التعويض إلى كلّ مستأجر وجعلته يوقع تنازلاً عن حقه، مفترضة سلفاً أن صاحب الملك لا يريد إعادة الإعمار، وخصوصاً أن البند الأول بقي مفتوحاً لأن «القوانين المرعية الإجراء» لا تشرح كيف ستحكم العلاقة في ظل وجود مرسوم وقانونين سابقين: المرسوم 7/ 77 القانون 20/ 82 والقانون 160/ 92، وقد صدر كلّ من هذه القوانين المتعاقبة في ظرف مختلف.
قانصوه ينطلق من حقّ المستأجر القديم بالعودة إلى مأجوره بعد إعادة إعماره، مذكراً بأن المالك يحق له، وفق القانون استرداد ملكه في حالتين: الضرورة العائلية أو الرغبة بالهدم. لكن الهدم هذه المرة جاء نتيجة العدوان، لذلك يؤكد على ضرورة إصدار قانون يحدّد العلاقة التي يجب أن تحكم الطرفين، لأن الأمر إذا ترك للقضاء فهو سيؤخّر العودة بين عامين وثلاثة أعوام. ويشير إلى مشروع قانون نشر في العدد 51 من الجريدة الرسمية (2007) تحت عنوان «تسهيل إعادة بناء الأبنية والمصانع أو أجزاء الأبنية والمصانع المتهدمة جراء عدوان تموز 2006 التي تحتاج إلى إعادة بناء حيث تقترح المادة 12 منه: «تنظّم علاقات المالك مع المستأجر مع الأبنية المتضرّرة أو الواجب إعادة بنائها إثر عدوان تموز 2006 بقانون خاص».

قانون جديد؟

وهذا ما يؤكد عليه المدير العام لـ«وعد» المهندس حسن جشي، معتبراً أن الحكومة بهذا القرار اختارت الحل الأسهل بالنسبة إليها وضمنت حرمان المستأجر حقه. ويلفت إلى أن القرار 146 لا يلغي قانوناً، والأساس أن القانون هو الذي ينظّم العلاقة. «ما دام صاحب الملك قد عاد إليه المبنى فما مبرر فسخ العقد».
ويأمل جشي من الحكومة الجديدة أن تبحث بعمق أكثر لرفع هذه الإشكالية «بحيث يصبح النص أوضح، ويعود المستأجر القديم إلى مأجوره ويعود المال إلى إعادة الإعمار ويلزِم المستأجرين إعادة المبالغ التي قبضوها، وخصوصاً أن هناك من وضعها لدى الكاتب العدل بكتاب للمالك».


موكّلو «وعد»: من 72% إلى 98،3%وفيما يتوقع جشي أن يجري تسليم مبان بدءاً من أيلول وحتى نهاية عام 2009 «من المباني التي وكّلت «وعد» منذ البداية»، إذ ارتفعت نسبة التوكيلات من 72% إلى 98،3% لعدة أسباب، منها صدقية وعد، المباشرة بأعمال البناء، نوعية العمل والمواصفات التي تحرص على وجودها، إضافة إلى عدم دفع التعويضات من الدولة.