آن ندّورمنذ زمن بعيد، كان هناك «مواطن» يعيش بسلام مع إخوانه المواطنين في موطن جميل تملأه الأزهار وتعشقه الطيور وتباركه الآلهة...
وفي يوم من الأيام، قرر المواطن أن يزور الأوطان الأخرى حباً بالاستكشاف والمعرفة، فحمل في جعبته أزهاراً من وطنه. ودوّن في ذاكرته أخباراً عن الطيور والآلهة والجمال والحب والوفاء ليخبر عنها في أسفاره... ومرت الأيام ومعها السنون وعاد إلى وطنه بعد غياب طويل. بدا الوطن مختلفاً وجافّاً، كأن لعنة ما أصابته! لم يعد هناك أزهار، ولا أشجار ولا طيور. بدت السماء مختلفة. بدت الشمس قاسية.
أحسّ المواطن بخوف، لعلّه ضلّ الوطن، لكن... لمح لافتة كتب عليها «وطن للبيع»!
لم يحتمل ما رآه. بدأت الدموع تنهمر من عينيه. بدأت الدماء تغلي في عروقه وبدأ الغضب ينساب من مسامه. اقترب من الساحة العامة ولم يصدق ما يحدث. كان في الساحة غرباء يحاولون شراء «الوطن» بمزاد علني. وكان المشرفون على المزاد «مواطنين» شربوا من ينابيع الوطن وتنشّقوا أوكسجين الوطن وكبروا من خيرات الوطن وحملوا اسم الوطن!
صرخ وصرخ وصرخ... لكن أحداً لم يأبه لصراخه. كان صراخه يتوه بين أصوات المزايدين. أحسّ بوخزة هزّت كرامته وشلّته. هل يغادر؟ هل يشارك في المزاد؟ ساعات مرت، وأيام مرت، وسنوات مضت. رحل غرباء، وجاء غرباء، ولا يزال المزاد قائماً. ووسط المزاد، يقف الوطن، مذهولاً... مجروحاً... باكياً على مواطن... وباكياً على موطن.