التغيير المناخي يهدد حيوات كثيرة على الأرض، ويمثّل خطراً كبيراً على صحة الإنسان، وللتذكير فإنه على مدى العصور، سبّب الإنسان تغيير إيكولوجية كوكبنا عبر التلويث واستنزاف الموارد الطبيعية والغذائية، بشكلٍ ضرب بقوة التنوع البيولوجي للكائنات الحية، براً وبحراً... هكذا هدد الإنسان استمراريته الوجودية
خضر سلامة
أخذت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش في 11 الشهر الجاري قراراً بإحالة أي تحذير علمي من مخاطر تهدد الكائنات الحية إلى دوائر رسمية أميركية تعيد دراسة هذه التقارير قبل عرضها على لجان الكونغرس مباشرةً كما جرت العادة. وهذه الخطوة تمثّل تطرفاً أكثر في معاداة البيئة من جانب الإدارة الجمهورية، وإعاقة الدور المؤسساتي المباشر في التحرك، وقد حذّر الاتحاد العالمي من أجل الطبيعة (UICN) سابقاً من مخاطر التعرض لانقراضٍ سادسٍ في كوكبنا (سبق أن شهدت الأرض خمسة انقراضات كبيرة لمجموعاتٍ عضوية).
وهذا التهديد له تأثيرات بالغة الخطورة على صحة الإنسان. ففي وثيقة «التغيرات المناخية والبيئية وحياة الإنسان»، سلّطت منظمة الصحة العالمية الضوء على مخاطر التخريب البيئي، ويوضح التقرير أن من النتائج المباشرة تكاثر أنواع من البكتيريا سريعاً، وضرب الدورة الطبيعية للكائنات، وخراب التربة واختفاء المساحات الزراعية، ما يسبب خسارة موارد غذائية والتعرض لمخاطر تكاثر أنواع غير مرغوب بها، هذا كله سيكون سبباً في أمراض نفسية، وعضوية، وتنفسية، ستصيب البشر، بالإضافة إلى الآثار الاقتصادية والديموغرافية، وعلى المدى البعيد، التخريب البيئي سيكون محفزاً لتغيير المناخ ودورة الكائنات جدّياً، وخطيراً على حياة الإنسان ووجوده.
على كوكب الأرض مليون وسبعمئة وخمسين ألف فصيل حي، وقد درس الاتحاد UICN 41415 فصيلاً، فتبين أن شبح الانقراض يهدد 16306 منها، أي إن نحو ربع أنواع الثدييات، ثمن أنواع الطيور، ثلث الزواحف، و70% من النباتات ستنقرض إذا استمر البشر باستهلاك مقدّرات الأرض والتصويب على ركائز الحياة فيها.
ولكن، هل من الممكن التصدي لهذا الانهيار البيئي الحاصل على يد 6،3 مليارات نسمة اليوم، وماذا سيحدث حين يتجاوز عدد البشر حاجز الـ9 مليارات عام 2050؟ الأجوبة عن هذه الأسئلة قدّمها بول ايرليش وروبرت برنغل من كلية علم الطبيعيات في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا، اللذان يشترطان سلسلة معايير شديدة وراديكالية، يتوجب على النظام العالمي أن يأخذها من أجل تفادي الأسوأ وتغيير التوقعات، اللائحة الموضوعة من العالمين عُرضت خلال جردة الأكاديميا الأميركية للعلوم في الثاني عشر من الشهر الجاري، التي خصص فيها المجتمعون ملفاً لقضية «الانقراض السادس».
ايرليش وبرنغل يوضحان في توصياتهما أن مصير التنوع البيولوجي في الأرض للعشرة ملايين سنة المقبلة، سيتحدد في الخمسين سنة من سلوكيات حياة فصيلة واحدة: الإنسان العاقل، (Homosapiens) الذي لا يتجاوز عمره مئتي ألف عام، وإذا كان متوسط حياة النوع الواحد من الثدييات التي ننتمي إليها هو مليون عام، فإن الإنسان يُعدّ في عمر المراهقة، إلا أن هذه المراهقة «تتسم بالنرجسية والأنانية وطلب البقاء ولو على حساب كل شيء، على حساب محيطه الضروري لبقائه هو مستقبلاً» حسب التقرير.
المطلوب إذاً، هو تغيير جذري في العقلية التي تتبنى صفة الجشع وتغيير النظرة اللامبالية إلى الطبيعة الأم، ويقول التقرير «إن الفكرة القائلة بأن النمو السكاني مستقل عن صحة البيئة، وأن الإنسان يستطيع أن يمضي في توسيع اقتصادياته، ما هي إلاّ هلوسة خاطئة»، لذا، يجب حسب التوصيات المقدمة، البدء في وضع تنظيم سكاني يحدّ من التضخم الهائل الذي يمضي صوبه الكوكب، والذي يزيد الضغط على الموارد، وثانياً، يجب تقليص الاستهلاك البشري لمقدرات الأرض، وخصوصاً في الكماليات في حقلي الصناعة والتغذية، أو في الاستثمار في قطاعات مفيدة للاقتصاد وللطبيعة في الوقت نفسه، كالزراعة أو التحريج أو الأغذية المعدلة جينياً، ايرليش وبرنغل يعددان أيضاً التقديمات المجانية التي تهبها الطبيعة للمجتمع البشري، كالمواد الأولية، المياه، الأوكسجين، امتصاص غاز الكربون والثروة الحيوانية، هذا كله يستحق أن يُحسب في المعادلة الاقتصادية لكل نظام، ليحسن الإنسان تقدير أهمية بيئته.
أخيراً، يبدي الباحثان قلقاً عميقاً من ظاهرة تآكل الاهتمام بقضايا الطبيعة في مجتمعات البلدان الصناعية الناشطة في تخريب العالم، «ففي الولايات المتحدة، بعد خمسين عاماً من ارتفاع مطّرد في أعداد المهتمين بصحة البيئة، تظهر إحصائيات جديدة ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت على حساب زائري المساحات الخضراء الطبيعية، ما يجعلنا نتساءل عن دور الإعلام المعطّل في مجال التوعية»، إلا أن هذه الظاهرة تفتح الباب أمام الناشطين للاستفادة من عالم الإنترنت «عبر توسيع الرقعة المختصة بالأيكولوجيا، التي يمكن أن تكون «لوبي» إلكترونياً محركاً للرأي العام»، حسب ايرليش وبرنغل.
وبين مخاطر الانقراض السادس، والكوارث الطبيعية الوجودية التي تهدد الإنسان، يبقى السؤال مطروحاً عن دور المنظمات العالمية والقوى المدنية في كسر جشع الاقتصاديات التي لم تعِ بعد حقيقة صورة الغد السوداء بيئياً، وضرورة التحرك لضبط الانهيار الحاصل.