بيار الخوريتخوض جورجيا حرباً خاسرة أمام بلاد «العمّ جو»، إذ تقهقرت جيوشها أمام الجحافل الروسية في أوسيتيا الجنوبية. مهما كانت أسباب هذا الغزو، فإنّ العبر المستقاة من هذه التجربة مفيدة في حالتنا اللبنانية وهي تلخّص بنقطتين:
ـــ أوّلاً الانحسار الأميركي عن التدخّل المباشر في جورجيا، إذ إنّ مصلحة أميركا تقتضي عدم الدّخول في مستنقع الأزمات مع روسيا المتكافئة نووياً وتكنولوجياً معها، بالإضافة إلى حاجتها لدعم الروس في الملف النووي الإيراني.
حتى في أيام الحرب الباردة وذروة الخلاف مع الاتحاد السوفياتي نتيجة أزمة الصواريخ الكوبية، ربطت واشنطن جأشها وأقفلت منابع وحشيتها.
أمّا في لبنان فالحالة الانحسارية الأميركية ظهرت تباعاً، من اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري، إلى حرب تمّوز، وأخيراً «غزوة بيروت» حيث عمدت إلى اتّباع خطّة عنوانها «الحضّ الكلامي والصّمت العملي»، فاكتفت بالإدانة وبالدّعم الكلامي فقط.
العبرة واضحة في تعاطيها مع قضايا غيرها غير الأساسية بالنسبة لمصالحها: «لا للقوّة نعم للتهدئة». أمّا في ما يخصّ مصالحها الخاصّة الرّأسمالية ودفاعاً عن القطب الواحد فالعبرة تختلف، حيث يلخّصها كسينجر بالقول: «لا للدبلوماسية بل قوّة قوّة قوّة».
ـــ ثانياً كيفية التصدّي الجورجي، حيث لم يتمكّن الجيش من مبارزة الرّوس ميدانياً، وهنا السؤال: إذا أرادت القوّات الروسيّة الدخول إلى تبليسي، فهل تستطيع جورجيا منعها؟ القوى الكبرى لا يمكن كبح قوّتها إلا بمقاومة اندفاعية غير متهوّرة، شعبية غير مصلحية، متجّذرة حيث المقاوم يعرف طبيعة أرضه وصمود شعبه. يجب أن نأخذ بعين الاعتبار نجاح المقاومة في الجنوب اللبناني، ونعمل للحفاظ عليها لتصديع أجسام الآليات العسكرية المعادية بانتظار استراتيجية دفاعية «شعبية». لتكن التجربة الجورجية مقارنةً باللبنانية منها منطلقاً للتفكير، فلربّما الرئيس الجورجي ساكاشفيلي وباقي مسؤولي 14 آذار يتمثّلون بـ«وليد بيك» للالتفاف، ولكن لمرّة واحدة.