علي غصنتابعنا باهتمام واعتزاز كبيرين كلمتك في الجلسة الختامية، وحاولنا قدر المستطاع أن نتابع خطواتك فلم ندركك. فأنت رجل المواقف وأب القوانين وعراب الطائف، حملتنا في دقائق معدودة من واقعنا المتردي في الابتذال السياسي والاستهتار الوطني إلى منبر الحقيقة، لنقف كلبنانيين جميعاً تلاميذَ صغاراً في حضرة أستاذ كبير يعيد على مسامعنا دروساً في فهم القوانين والدساتير وكيفية بناء الأوطان، كاشفاً عورات الساسة عندنا، مترفعاً عن الخطاب الطائفي والمذهبي والمناطقي، محذراً من وقوع الوطن في براثن الضياع ودخول المؤسسات في دهاليز السياسة التشرذميّة، مركّزاً على الأسس السليمة التي يجب أن تُبنى لمستقبل يليق بمن لديهم شعور العيش بكرامة في وطن أقل ما يقال فيه إن القوانين تحكمه ودستوره محترم...
فجأةً انهالت علينا كلمات الاستقالة كالصاعقة فلم نصدق، خيّم الصمت على الجميع. حتى المجلس بضوضائه وعراكه بخطاباته وابتذاله لم ينبس ببنت شفة. بذهولٍ تابعوا خطواتك الهادئة وأنت تغادر القاعة، وثمة شعور بداخلهم يقول إن لبنان قد خرج معك.
مهلاً يا عرّاب الطائف... فنحن لم نسمح لك بعد بتسليم الوطن، ولا الوطن يُبنى إلا بوجود أمثالك في قلب الحياة السياسية. فمن غير المسموح لك أن تترجل، أنت لست ملك نفسك. لم نسمع الاستقالة ولن نسمعها. شعبك يئن ووطنك يترنح واعتزالك رصاصة الرحمة، مهلاً يا دولة الرئيس. فقد عهدناك البلسم لجراح البلد المثخن، وبصيص الأمل في حماية الدستور والقابض بأظافرك وأسنانك على وحدة لبنان وعروبة لبنان ودوره الحضاري، والساعي دوماً إلى بلورة إجماع وطني حقيقي في ظل دستور يُحترم بقوانين تطبيقية فعلية. مهلاً يا عراب الطائف. أي وطن تتركنا فيه، وإلى من نلجأ في ظل غياب المؤسسات والرؤى العقيمة والأمن المسلوب، وتناحر الساسة، وانعدام الوفاق، وعدم وجود استراتيجية سياسية بناءة، وتربّص العدو بنا، ومهزلة العمل السياسي.
أيّ وطن تتركنا فيه وضمير لبنان محيّد، وأبناؤه في شتات؛ أشلاؤهم على الأرصفة وقلوبهم ممزقة وآمالهم في خبر كان.
أيّ وطن تتركنا فيه والشعب قد سقطت عنه أوراق التوت فبات عرضة إما للابتزاز الاقتصادي وهمّ الرغيف، وإما للابتزاز السياسي في معركة إثبات الوجود. مهلاً يا عراب الطائف. كل مواطن حر أبيّ يؤمن بالوطن وبلبنان يقول لك: عذراً لن نقبل الاستقالة.