رامي خريسلا يستطيع حزب الله بحكم طبيعته الطائفية صياغة برنامج وطني متكامل عماده مفهوم المواطنة، وكذا الأمر بالنسبة إلى غالبية القوى اللبنانية القائمة على أساس طائفي.
إلا أن حزب الله وبسبب دوره المؤثر المتصاعد في الحياة اللبنانية وأدائه الدور الأبرز في انتصار لبنان على آلة التدمير الإسرائيلية يستطيع أكثر من غيره ــ مستغلّاً ثقله السياسي ودينامكيته العالية ــ أن يؤدّي دوراً هامّاً في صياغة معادلة اقتصادية اجتماعية داخلية وتصويب سياسات النخبة اللبنانية التي تسير في اتجاه صياغة معادلة ليست في مصلحة لبنان.
مشكلة لبنان أن أحزابه في غالبيتها تنزع لأن تكون في موقع الداعم لسياسات اقتصادية هي أبعد ما تكون عن الهم الاجتماعي المَعيش في هذا البلد، وبطبيعة الحال، فقد أفرز النظام الطائفي واقعاً يحول دون تقدّم الأحزاب التي يمكن أن تقدم بديلاً اجتماعياً يستجيب لمصالح غالبية اللبنانيين، وهو ما يعني حكماً وقوع اللبنانيين تحت وطأة اتجاهات الزعامات الطائفية في هذا المضمار.
لو رسمنا صورة للواقع السياسي والاجتماعي اللبناني لوجدنا أن الاختلاف يكاد يكون على كل شيء، بينما هناك اتفاق عابر للطوائف على إهمال البرنامج الوطني الاجتماعي في أوساط النخبة اللبنانية.
دور حزب الله المعوّل عليه في هذا الإطار هو ما برز في خطاب أمينه العام السيّد حسن نصر الله قبل أيام بشأن مناقشة استراتيجية اقتصادية لبنانية تتجلّى في صورة ما سماه نصر الله بناء «الدولة العادلة».
وبالرغم من ضبابية المصطلح والإحجام عن الدخول في تفاصيل برنامجية مطلوبة وضرورية في هذا الشأن، فإنّ هذا الاتجاه يبقى جيّداً إذا ما جرى تطويره بحيث يتجاوز وينقد موقفاً سابقاً عبّر عنه حزب الله عبر أمينه العام حين تحدث عن نموذج اقتصادي يجمع ما بين الإعمار ــ مع ملاحظة أن الحديث هنا عن «الإعمار الحريري» لا الإعمار الوطني الشامل ــ والمقاومة، وهو ما نرى أنه نموذج يحتفظ بالمقاومة من جانب، لكنه يقوّض بنيتها الأساسية، أي مجتمعها من جانب آخر!
ليس مطلوبا أن يتحوّل حزب الله إلى حزب ماركسي يقدم أطروحاته عن اشتراكية
لبنانية، لكن عليه أن يطرح تساؤله عمّا إذا كان المشروع الاقتصادي الذي يراد له
أن يُصاغ حالياً في لبنان يمكنه بالفعل أن يتكامل مع مشروع المقاومة.
على حزب الله أن يدرك أن لبنان القوي هو ليس لبنان الذي يمتلك ترسانة عسكرية تستطيع رد عدوان إسرائيل فقط، بل أيضاً لبنان التشاركي المحصّن اجتماعياً من غلواء الليبرالية الجديدة التي يقترح حزب الله تعايش المقاومة معها.
أما التأصيل لصياغة البرنامج الجديد ــ ما دام الحزب لن يكون ماركسياً في يوم من الأيام ــ فيمكن أن يستلهمه من حركة الشيعية السياسية تاريخياً في خطابها عن «المحرومين» وهم غالبية لبنانية اليوم.