ينظّم معهد التربية على السلام والعدالة في الجامعة اللبنانية الأميركية (LAU) مدرسة صيفية للوقاية من النزاعات. ويتابع طلاب من جامعات مختلفة برنامجاً مكثفاً، في مقر الجامعة في جبيل. يشارك في تنظيم الورشة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومشروع بناء السلام
جبيل ـ جوانا عازار
يتدرّب طلاب المدرسة الصيفيّة في الجامعة اللّبنانيّة الأميركيّة في إحدى الورش على تطوير مهارات الإصغاء. يخضعون لتمرين من سبع دقائق حيث ينقسمون إلى مجموعات من ثلاثة أشخاص يؤدي الأوّل في كلّ مجموعة دور المستمع الذي يختار موضوعاً سجاليّاً ويعطي وجهة نظره فيه، ثم يكتفي بالإصغاء. ويقدم الثاني، في دور المحامي، الحجج المناقضة لوجهة نظر المستمع. أما الشخص الثالث، فيقوم بدور الحكم الذي يراقب اللعبة ويمنع السجال.
يعلن كمال، المستمع في إحدى المجموعات، تأييده لإلغاء الطائفيّة في لبنان. تناقض المحامية جيسيكا وجهة نظر زميلها باعتبار أنّ الطائفيّة هي الحلّ في لبنان كي تحافظ كلّ طائفة على حقوقها، «هيدا لبنان مركّب على الطوائف». هنا تتدخل نهلا، الحكم، لتصويب الحديث ومنع انجرافه إلى سجال. في مجموعة ثانية، يقول المستمع إدوار إنّه ضدّ سلاح حزب الله فتجيبه زميلته تالين إنّها مع بقاء السلاح لتحرير مزارع شبعا والدفاع عن لبنان، قبل أن تفصل بينهما أماني، الحكم في اللعبة.
ومن الموضوعات السجاليّة التي اختارتها المجموعات: مثليّو الجنس، جرائم الشرف، الزواج المدني، الموت الرحيم وغيرها. ونتيجة للتمرين اكتشفت ريما أنّ الإصغاء يمنعنا من مقاضاة الآخرين ويساعد على فهم وجهة نظرهم. من جهته، يشرح مدير اتّحاد التدريب على بناء السلام زاكاري ميتز أنّ الإصغاء مفقود، موضحاً أنّ الانفتاح على فكر الآخرين يمكن أن يغيّر في طريقة تفكيرنا.
على صعيد آخر، قارب الطلاب النزاعات عبر فهم أنواعها المختلفة في تدريب أجرته المدرّبة اللبنانيّة جنى الحرّ، التي أكدت أنّها لمست تجاوباً من الشباب الذين ينجزون في نهاية الورشة مشاريع جماعيّة تحمل تواقيعهم.
يصف رالف مغامس (21 سنة) الذي يتابع دراساته العليا في فرنسا مشاركته في الورشة بالمفيدة، لكون المدربين ينقلون خبرتهم الواسعة إلى الطلاب. وترى نهلا الزير (23 سنة) من الجامعة العربية المفتوحة أنّ الورشة تنمّي القدرات الشخصية وتساعد على التأقلم مع المجموعات. أما سارة سباعي (21 سنة) من الجامعة اللّبنانيّة الأميركيّة، فتشير إلى «أنّنا نعيش النزاعات باستمرار ونحمل الأحكام المسبّقة عن الآخرين، من هنا ضرورة الإصغاء وفهم أنفسنا لتحقيق السلام الداخلي قبل فهم الآخرين».
يشارك 27 طالباً لبنانيّاً من جامعات مختلفة في المدرسة التي تنظّم للسنة الرابعة بعنوان: «الوقاية من النزاعات وتحويلها». وتلفت المسؤولة عن المشروع الدكتورة ايرما ـ كارينا غصن إلى أنّ المدرسة تجمع شباباً اختيروا بعناية بواسطة لجنة متخصّصة أعطت الأولويّة للطلاب الذين لمست لديهم الالتزام بإحداث تغيير في مجتمعهم، ومنهم من اختبر تجارب سابقة في حلّ النزاعات.
ويتابع الشباب برنامجاً مكثّفاً لمدّة 11 يوماً عن النزاعات، الوقاية منها، فهمها وتحويلها، وتتيح لهم الورشة الاختلاط لكونهم يمكثون في الجامعة وينامون في سكن الطلاب. قدِم الشباب من جامعة القديس يوسف، الجامعة الأميركيّة في بيروت، الجامعة اللبنانيّة الأميركية في حرمَيها في جبيل وبيروت، الجامعة العربيّة المفتوحة، الجامعة اللّبنانيّة، هايكازيان وAUST. تذكر غصن أنّ ثلث الطلاب الذين تابعوا الورشة في 2004 عملوا في هذا المجال و40 في المئة من المشاركين في ورشة 2005 تابعوا دراسات متخصّصة في النزاعات.


بناء الجسور بين الطوائف

صمّم الطالب جان بول شامي من الجامعة اللّبنانيّة الأميركيّة في ورشة 2004، مشروعه النهائي عن بناء الجسور بين الطوائف والمناطق اللبنانيّة المختلفة، يقضي بتحقيق التواصل وتبادل الزيارات والصداقات بين عائلات لبنانيّة مختلفة.
تبنى الجسور بين الطوائف اللّبنانية المتباعدة والديانات المختلفة، بعد أن تتعرّف العائلات إلى بعضها بعضاً عن قرب، وقد تابع بعد ذلك دراساته العليا في مجال النزاعات وثقافة بناء السلام في النمسا، وهو يشارك اليوم في الورشة ويساهم في تحقيق أهدافها، ناقلاً قسماً من خبرته إلى الطلاب، وخصوصاً أنّه يفهم طريقة تفكيرهم ويتواصل معهم، فيشعرون بأنّه قريب منهم، لا سيما أنّه بدأ رحلته في هذا المجال من المقاعد التي يجلسون عليها.