خالد صاغيةتحمل بعض الاعتراضات على توقيع وثيقة تفاهم بين حزب اللّه ومجموعات سلفيّة دلالات غير صحيّة. فإذا كان مفهوماً اعتبار سلفيّين لم يشملهم التفاهم، هذه الوثيقة بمثابة «اختراق» لزعامتهم، فإنّ اعتراضات «المستقبل» وبعض حلفاء حزب اللّه تستدعي التوقّف عندها. فـ«المستقبل» هدّد طويلاً بالفتنة السنّية ـــــ الشيعية. كان قياديّوه يتحدّثون عنها بخبث وخفّة في الآن نفسه. وكان المضمر في حديثهم: إن لم يخضع حزب اللّه لشروط «المستقبل»، فإنّ قوى «شرّيرة» ستتولّى الردّ. والغمز كان دائماً من قناة مجموعات سلفيّة. إذا كان لوثيقة التفاهم من دور، فهي أنّها تضع السلفيّين (أو قسماً منهم) خارج دائرة الاستخدام الابتزازي. هذا لا يعني التفافاً على زعامة الأكثريّة السنّية، بقدر ما يعني تحرير الحوار مع هذه الزعامة من دائرة الابتزاز. غير أنّ «شيطنة» السلفيّين عموماً لم تكن لعبة «المستقبل» وحده. فكثيرون من «أصدقاء» حزب الله تزامن تقرّبهم من الحزب بتخويف جماهيرهم من السنّة عموماً، ومن سلفيّيها خصوصاً، أو بالأحرى حاولوا تقديم السلفيّين كالوجه البشع لطائفة لا يمثّل تيّار «المستقبل» إلا مجرّد واجهة «حضاريّة» لها. وقد تلقّف هؤلاء حادثة حرق السفارة الدنماركية في الأشرفية، ليثبتوا صواب نظرتهم، وأطلقوا على تلك الحادثة عبارة «غزوة الأشرفية»، في عنوان لا تخفى دلالاته الرمزيّة على أحد.
لم تكن هذه اللعبة إلا الوجه المعاكس لتخويف مارسه آخرون ضدّ الشيعة عموماً، وحزب الله خصوصاً. ووصل الأمر بأحدهم أن برّر تقرّبه من سعد الحريري بأنّه يشبهه في اللباس والعادات، بعكس قيادات حزب الله. أحدهم هذا بدأ نهاره يوم حرق السفارة بالقول إنّ الآتين إلى الأشرفية ما هم إلا «حلفاؤنا في 14 آذار»، لينتهي أمام صدمة الواقع وتعقيداته.
مهما يكن الاختلاف مع التيار السلفي ـــــ والاختلاف بينه وبين غالبية الشعب اللبناني كبير جداً ـــــ فإنّ اختزال السلفيّة بالتخويف والإرهاب يحمل نوعاً من الإرهاب الفكري. هكذا قد نتحمّل الإرهاب حين يكون مصدره غربيّاً، ونتحمّل التجويع والإفقار حين ينبع من أفكار نيوليبراليّة، لكنّ حساسيّتنا تُخدَش فجأة إذا ما أطلّت علينا مجموعة تشكّك في بعض مفاهيم الحداثة السائدة!