علاء اللامي *ويحاجج الأمير الأموي الزعماء الأكراد بقوله إن أعداداً كبيرة من الآشوريين في شمال العراق يتكلمون الكردية، فهل أصبحوا أكراداً وكفّوا عن أن يكونوا آشوريين؟ كما أن هناك أكثر من مليون كردي يتكلمون العربية في العراق العربي، وبغداد تحديداً، فهل كفّوا عن أن يكونوا أكراداً وصاروا عرباً؟
لقد أحاط غموض مقصود أحياناً، وأقرب إلى التشويه المتعمّد، بتاريخ وعقائد وماضي هذه الطائفة الصغيرة والنشطة. وخير وثيقة داخلية يمكن الركون إليها لإزالة كثير من اللبس والغموض المذكورين، هي كتاب الأمير أنور السالف الذكر، والذي سلّط أضواء ساطعة على التفاصيل الغامضة أو تلك المشوّهة عمداً أو جهلاً.
فاليزيدية ــــ بحسب كتاب أميرهم ــــ لا يعبدون الشيطان كما يشاع، بل يعبدون الله، وهم براء من دماء الإمام الحسين سبط النبي العربي محمد المقتول بسيوف الأمويين، بل إن مؤسس طائفتهم الأحدث عهداً، الشيخ عدي بن مسافر يرى «أن الحق مع الخليفة الرابع علي بن أبي طالب في خلافه الشهير مع معاوية»، وهم يؤمنون بنبوّة النبي إبراهيم الخليل الذي يلقّبونه بعبارة «خليفة أصل الزمان»، ويؤمنون بعشرة أمراء من بني أمية يسمّونهم «أمراء الملّة اليزيدية»، أوّلهم يزيد بن معاوية وعاشرهم هو عدي بن مسافر بن إسماعيل، كما أن لهم إمامهم المنتظر ويسمّونه «السفياني المنتظر». ويلاحظ المتابع لما كتب عن هذه الطائفة، حتى بأقلام زعمائها والمدافعين عنها، أن من الصعب حقاً ردم تلك الهوة السحيقة الموجودة بين حقيقة اعترافهم بنبوّة إبراهيم الخليل واعتبارهم يزيد بن معاوية أميرهم الأول.
ومن الصعب أيضاً تفسير هذه القفزة الهائلة بين الاثنين دون التساؤل عما إذا كان الأمويون مسلمين محمديين فعلاً، أم يزيديين بمعنى إبراهيميين على الطريقة اليزيدية، أم أن اليزيديين كانوا مسلمين على الطريقة الأموية ثم اقتربوا من الإبراهيمية أو ــــ إن شئنا الدقة ــــ إلى نسختهم الخاصة من الإبراهيمية.
هذه الطائفة الصغيرة، التي تدفع في عهد الاحتلال ثمناً باهظاً، تجد نفسها اليوم في معترك تجاذبات سياسية وعرقية قاسية لها أجنداتها وحساباتها الخاصة. فالأحزاب والقيادات السياسية الكردية تضع عينها في الحقيقة لا على أصول اليزيديين العرقية ومصائرهم الحياتية، بل على مناطق انتشارهم الجغرافية في جبل سنجار ومناطق أخرى في المثلث العراقي ــــ السوري ــــ التركي. فهي تريد إلحاق تلك المناطق التي تسميها «المناطق الكردية المنتزعة» بإقليمها كردستان، مستقوية بحليفها المحتل الأجنبي.
من جهتهم، لم يبذل العرب السنّة أية مساع للتقرّب من أبناء هذه الطائفة العراقية، ربما بفعل أجواء العداء التي خلّفتها التفجيرات والمجازر المنسوبة إلى تنظيم القاعدة التكفيري. أما زعماء العرب الشيعة في العراق، فهم إما متضامنون مبدئياً مع مشاريع حلفائهم في الأحزاب الكردية، أو إنهم يلتزمون الصمت بفعل مواقف وخلفيات طائفية تاريخية خاصة، معظمها ناتج من عملية التبشيع الطائفي المتبادل، وهو طبع صورة اليزيدي لديهم بطابع خاص، وهم لا يريدون الخروج والتخلص من تلك الأجواء والخلفيات الطائفية التاريخية بسهولة، فيما ينفرد المحتل بإدارة السياق العام للحالة العراقية ورسم فسيفساء المشهد السياسي لمصلحته.
وهكذا يُتْرَك اليزيديون العراقيون لمصيرهم ولمشاريع قاسية تتربص بهم وبهويتهم وبكينونتهم.
من جهة أخرى، وضمن السياق ذاته، يستمر ويتفاقم النزيف السكاني اليزيدي ضمن النزيف الأشمل للأقليات الإثنية والدينية العراقية إلى خارج البلاد. وقد تسارعت هجرتهم بعد موجة المجازر والتفجيرات التي استهدفتهم والتي نسبت مسؤولية القيام بها إلى انتحاريي تنظيم القاعدة الذين اتهمت أطراف كردية وأخرى إيرانية رسمية علناً بالتعاون معهم.
الغريب هو أن الجهات اليزيدية المتحالفة مع الأحزاب الكردية لا تخفي أو تزيّن هذا الواقع. فالسيد غسان سالم مثلاً، وهو «منسّق رابطة التآخي والتضامن اليزيدية»، لا ينكر ــــ في لقاء مع جريدة «الحياة» عدد 19/7/2008 ــــ وجود ضغوطات على اليزيديين من أجل ترك مناطقهم.
إن الانقسام الداخلي في الطائفة اليزيدية قديم، ويعود إلى عهد الاحتلال البريطاني وما قبله، ولكنه لم يكن من النوع السياسي بل الأسري الوراثي، بين أسرة الأمير معاوية الأموي وأسرة تحسين بك. أما اليوم، فإن الانقسام صار ذا طبيعة سياسية واضحة بين فريقين يطالب أحدهم بالانضمام إلى مناطق إقليم كردستان، ويمثّله قطاع اليزيديين المستكردين، فيما يفضّل القسم الآخر الذي يمثّله أتباع الأمير أنور البقاء ضمن سلطة الإدارة المركزية بوصفهم طائفة عراقية ذات جذور عربية قرشية.
* كاتب وصحافي عراقي