أسئلة الصغار كثيرة، بل إنهم يكتشفون الحياة من خلال تلك الأسئلة، «لماذا» هو ردهم على كل جواب يُقدّم لهم، نشعر بأن أبناء الجيل الجديد يتحدثون بلغة الكبار، نعتقد أنهم أكثر ذكاءً من الأجيال السابقة، وأن الفضل في ذلك يعود للبيئة التكنولوجية التي تفتّحت عيونهم عليها... فكيف نواجه الأسئلة المحرجة والطائفية؟
ليال حداد
«ماما ليش أنا ما عندي متل عند نيكولا؟» تسأل لين أمها مشيرة إلى عضو أخيها التناسلي. ترتبك الأم، كيف تجيب ابنتها التي لم يتخطّ عمرها الأربع سنوات، بعد تردد تقول: «أنت تشبهينني وأخوك يشبه والدك». تبتسم لين ابتسامة ماكرة، سترضيها هذه الإجابة لفترة وجيزة، ولكنها ستعود حتماً لتطرح السؤال نفسه في انتظار إجابة تفصيلية.
وفيما يبدو سؤال لين تقليدياً، تردده معظم الفتيات الصغيرات. لا تبدو تعليقات جوي (3 سنوات) طبيعية بالمعايير التي يحددها الراشدون. فجوي تقضي يومياً أوقاتاً طويلة أمام مرآتها منتظرة أن يكبر ثدياها «ليشبه صدر المعلمة في المدرسة». لا تعجب هذه الحركات والدة الطفلة إلهام المرّ، تقول «استشرت طبيباً وأخبرني أنّ الموضوع طبيعي جداً». قبلت المرّ تفسير الطبيب رغم أنها متأكدة من أنها حين كانت في الثالثة كان كل اهتمامها منصبّاً على دفاتر التلوين.
العلاقات العاطفية أولوية بالنسبة إلى الأولاد. رودي كتّان طفل في الخامسة من عمره، يرفض أن يذهب إلى المدرسة دون أن يضع مساحيق على شعره «على ماريا أن تحبني أنا لا فؤاد»، وفؤاد هو منافس رودي في الصفّ.
تختلف القصص بين الأطفال، إلا أن معظمها يوصل إلى نتيجة واحدة: الأهل مصعوقون من هذا «التطوّر» في أسلوب تفكير الأطفال. تشرح ليلى ضرغام أنها لم تعرف كيف تجيب ابنتها إن كان بإمكانها أن ترتدي ملابسها الداخلية، «كنت أتوقّع سؤالاً عن كيف يأتي الأطفال مثلاً». وحين سألت ضرغام ابنتها بيتينا عن سبب رغبتها بارتداء هذه الملابس، أجابتها الصغيرة «سمعت بابا يقول مرة إنه يحب ما ترتدين».
أما نور وريم زيدان وهما توأم في الثالثة من عمرهما، فاهتماماتهما لها طابع ثقافي، تحبّان الموسيقى الكلاسيكية وتثيرهما كتب والدهما التاريخية «تتابع الصغيرتان قناة ديسكوفيري ساينس؟ هل هذا طبيعي؟» تسأل الأم محاولة إغراء ابنتيها بقناتي تيجي وبيوي ولكن لا تجاوب.
وإذا كان سؤال «من أين يأتي الأولاد ماما؟» موحّداً عند كل الأطفال، تختلف الإجابات بين الأهل، تتنوع بين الملفوفة و«السؤال ليس لعمرك»، تضيع «الطاسة» ويبحث الصغار عن إجابات من مصادر متنوعة كقناة تيجي أو قصة «bonjour le monde».
لكن إضافة إلى الأسئلة، تحوّل الجنس عند الأولاد من «تابو» إلى حديث صريح لا خجل فيه. موريس قازان (6 سنوات) تخطّت اهتماماته الرسوم المتحرّكة، فعند بداية العام الدراسي رفض أن تبتاع له والدته حقيبة عليها صورة «سبايدر مان»، وفضّل حقيبة مع صورة فتاة بالمايوه، وبعد نقاشات مع والدته ووالده، اقتنع بأن يشتري الحقيبتين «واحدة للمدرسة وأخرى للعطلة».
لا يختلف الوضع عند الفتيات، سارا وهبي (7 أعوام) تنتظر مع والدتها أحد المسلسلات التركية لتشاهد البطل والبطلة يتبادلان القبل. لكن لا تقف تعليقات الأطفال عند حدود الجنس، فعلي كركي (7 أعوام) يصرّ على والديه ليتركاه يسهر عند رفيقه في البيت حتى الساعة التاسعة «هل ما زلتم تظنّون أني طفل؟» وكأن المراهقة تبدأ في سن السابعة. هكذا يصير للبيرة مثلاً حصتها من حديث رالف شويري (8 سنوات) الذي لا يجد مبرراً يسمح لأهله بمنعه من احتساء الكحول، وحين يأتيه الجواب «لا تزال صغيراً»، يرد «أنا مرتبط بعلاقة عاطفية في المدرسة، وتبادلت القبل على الفم مع صديقتي».
تتنوّع أسئلة الأطفال «المحرجة» لأهاليهم، دون أن يدرك هؤلاء في أغلب الأحيان طريقة الإجابة. «المهمّ أن تكون الأجوبة واضحة وصادقة» تقول أستاذة العلوم التربوية فاديا حطيط، مؤكدةً أن الطفل نادراً ما ينتظر إجابة مفصّلة عن أسئلته، لا سيّما الجنسية منها. «ماما وبابا يحبان بعضهما بعضاً فيأتي الولد إلى بطن الماما» هذا هو الجواب الأمثل مثلاً على السؤال الأبدي «من أين يأتي الولد؟». ولكن يختلف الوضع عندما يكبر الولد، إذ تزداد حاجته لمعرفة تفاصيل ترضي حشريّته، فعندما يتخطّى الولد عمر 8 سنوات، يجب أن يعرف أن هناك فرقاً بين الفتاة والصبي.
ولكن رغم كثرة الأسئلة عند الأولاد من الجيل الجديد، تؤكّد حطيط أن النظرية القائلة بأن الأطفال الجدد أكثر ذكاءً من الأجيال السابقة، هي نظرية خاطئة «في الماضي كان الأولاد أذكى، ويتمتعون بأفق أوسع ناتج من علاقاتهم الاجتماعية. أما اليوم فيقضي الصغار أيامهم أمام شاشات التلفزة والكومبيوتر والألعاب الإلكترونية». وكمثال، تلفت حطيط إلى أن «الشاب الذي يبلغ اليوم الثامنة عشرة غالباً ما يكون ناضجاً، فيما ابن الثامنة عشرة في الماضي كان يُعدّ رجلاً».
الأسئلة المحرجة لا تقف عند حدود الجنس، بل تتخطّاها في لبنان، وفي هذه الفترة تحديداً، إلى الأسئلة الطائفية والسياسية، فبماذا نجيب؟ تصمت حطيط طويلاً محاولةً إيجاد الطريقة الأمثل، وتقول أخيراً «الوضع معقّد جداً، ولكن من المهمّ ألا يتحدث الأهل عن طائفتهم أو الفريق السياسي الذي ينتمون إليه، وأن لا يرددوا على مسامع الصغار أنه الأفضل بين الطوائف والأحزاب الأخرى». وتشدّد حطيط على أن هذا النوع من أسئلة الطائفة والفريق السياسي، هو الأصعب، ومفعول الإجابات كبير جداً على الأولاد، «من الضروري أن يمتلك الأهل المعرفة التي تؤهلهم للحديث علمياً عن الأسئلة الطائفية، أي إن الإجابة يجب أن تكون ثقافية».


باربي الجديدة مثيرة، الخبر أثار ضجة كبيرة في فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها، ولكن هذه اللعبة ليست سوى نموذج من دمى وألعاب إلكترونية تروّج للملابس المثيرة والماكياج البارز، ويقبل عليها الصغار بشكل لافت جداً. هذه الظاهرة في بداياتها، وينكبّ مختصون في الدول المتقدمة على دراستها