خضر سلامةبينما تمضي شبكة الإنترنت قدماً في اكتساح خصوصيات الأفراد، واقتحام العلاقات الاجتماعية والأسرية، شددت الصحف البريطانية على أهمية نتائج دراسة صادرة عن معهد «غارليك» البريطاني، وهي مؤسسة متخصصة في الرقابة على مؤشرات الخصوصية واستقلالية المستخدم، أفادت هذه الدراسة بأن 72 في المئة من الأسر «تتجسس» على سلوكيات أطفالها أثناء إبحارهم في عالم المعلوماتية.
تابع معدّو الدراسة ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 8 و15 عاماً، وألف أسرة، فتوصلوا إلى أن واحداً من كل أربعة آباء، يستعمل سراً بريد ابنه الإلكتروني لمراجعة رسائله الخاصة ومختلف تبادلاته ومحادثاته عبر الشبكة الإلكترونية، وللتعرف إلى طبيعة العلاقات التي يُنشئها.
من جهة أخرى، فإن النسبة نفسها تقريباً، أي 25 في المئة من الأهل، يلجأون إلى إنشاء حسابات وهمية، للتواصل مع أبنائهم بشخصية مزورة، ولاكتشاف سلوكياته وما يبحث عنه في الإنترنت، في المقابل، تبين أن أغلبية من الأطفال المراقَبين يرون أن ذلك غير مبرر، وأن الهدف من حضورهم على الصفحات الإلكترونية هو لمحض المتعة والتسلية.
وحسب دراسة معهد «غارليك»، هناك 750 ألف طفل على الأقل في إنكلترا وحدها، مشتركون في الشبكات الاجتماعية على الإنترنت، أي في مواقع التعارف والمواعدة، وهؤلاء الأطفال (الذين تتراوح أعمارهم بين 8 إلى 12 عاماً) يزوّرون أعمارهم عند التسجيل، حيث تطلب معظم هذه المواقع (فايس بوك، ماي سبايس، دايتينغ دوت كوم...) أن يكون المشترك قد بلغ الـ13 عاماً على الأقل.
وقللت الدراسة من قيمة وسائل الحماية الاجتماعية للأطفال المتبعة في بعض الدول المتقدمة، حيث إن المجتمع، حسب الدراسة، يحوّل العلاقات إلى مصالح استهلاكية وتجارية لا تراعي القيمة النفسية للطفل، فتغيب القيود والرقابة الرسمية المتخصصة، ليجد الأهل أنفسهم وحدهم أمام عملاق المعلوماتية الذي يجذب بشعبيته المتسعة اهتمام أطفالهم، وليعتمدوا في مواجهة ذلك تصرفات قد تؤثر على العلاقة الأسرية بين السلطة الأبوية والطفل، حسب الدراسة.
من جهة أخرى، فإن واحداً من كل خمسة أطفال مستخدمين للإنترنت، انتحلوا، حسب الإحصائية، صفة أخرى لإقامة علاقات افتراضية مع شريك في المحادثة من الجنس الآخر، واعتاد 18 في المئة منهم على استعمال حوارات نابية، أو تعليقات بذيئة تبعاً لما تأثروا به في شبكات التعارف العالمية، هذا وتعرض أربعة من كل عشرة أطفال على الأقل، لمحاولة استغلال أو تحرش على الإنترنت.
الرئيس التنفيذي لمؤسسة غارليك، طوم اليوب، طالب الأهل بـ«تعقب عاقل لسلوكيات أطفالهم الافتراضية»، معلناً أن التدخل المقَنّع قد يؤذي الطفل أكثر مما يفيده، «على الأهل أن يكوِّنوا صداقات متوازنةً مع أبنائهم، وأن يديروا هم أنفسهم عمل الطفل على الكمبيوتر بشكل مباشر ومسؤول»، أما جون كار، الاختصاصي في أمن الطفولة المعلوماتي، فقال إن هذه الدراسة «أتت في وقتها مع العطلة المدرسية، للتذكير بأهمية وجود الأهل والمدرسة معاً، ولخلق حملة توعية للأطفال لتحذيرهم من الأفخاخ المنصوبة في صفحات الـ Web، ولضبط جموحهم النفسي والعاطفي المتأثر بالبيئة المقدمة على الشاشة».