حلا ماضيحين ترسو «السفينة فينيقيا» على ضفة نهر القرية ويتلألأ الأرز في خشبها، تكون مايا الأشقر قد أوصلت بكل أمانة ومهنية «حروف الأبجدية» التي انبعثت من شواطئ لبنان إلى عقول قرّائها من خلال قصة «مغامراتها الأبجدية»، ويبدو الكتاب موجهاً إلى الأطفال بين 7 و10 سنوات. تهدف الأشقر ــــ كما يبدو ــــ إلى تعليم حروف الأبجدية لتلاميذ يشرعون في كتابة الكلمة من خلال جمع الحروف بطريقة مختلفة ومغايرة لما هو معهود وتقليدي، وقد جعلت من كتابها ذي اللون الأحمر قصة مشوّقة يستأنس بها القارئ، فكانت لكل حرف نوتة خاصة به، سرعان ما تتحوّل إلى سمفونية متكاملة.
من «الألف إلى الياء» لا يستطيع القارئ «الإفلات» من القبضة التي أحسنت الكاتبة حبكها لإيصال أفكارها، وغدت حروف الأبجدية في مغامراتها حكايات لأمور واقعية، وذلك رغم الصور الخيالية الكثيرة التي تجعلنا نستدرك الخلاصات والعبر من أحداث الكتاب وتسلسلها.
ولا شك في أن الكلمات والعبارات التي استعملتها الأشقر هدفت إلى إيصال أكبر قدر ممكن من المعلومات والإيضاحات، بالتزامن مع العمل على ترسيخ شكل الحروف، سواء من خلال أشكال بعضها، كحرف الألف الذي صوّرته على شكل عصا على رأسها قبعة، وحرف الباء الذي وُلد على شكل قارب، أو من خلال الاستعانة ببعض الفاكهة والحيوانات، كحرف الواو الذي استولدته من خلال صورة «الحلزون».
وتتوالى ولادة الحروف في الكتاب من خلال قصة تكثر فيها العبارات التصويرية والجمل المترابطة لتروي «حكاية البخيل» الذي يعيش التجارب والمغامرات، ويكون هو محور الكتاب واستخلاص العبر. وتبدأ الحكاية مع هذا الرجل الثري «البخيل والأناني» البعيد عن الناس، فهو يظن أن السعادة تكمن في امتلاك الذهب والمال، ولكنه سرعان ما يشعر بالخوف، لأنه لا أحد يحبه نتيجة لتهرّبه من الناس وتعامله معهم بطريقة سيّئة.
ومع تسلسل الأصوات، يفقد الرجل الثري كل ما يملك، وتبدأ «مغامراته الأبجدية» لتعلّمه في كل حرف نتيجة البخل وعدم العمل والجهد للحصول على المكافأة، فيعرف البخيل قساوة الجوع والوحدة، ويصادف لصوصاً يحاولون قتله، فيدرك أهمية المحافظة على الأصدقاء المحبين، ويعرف في الوقت عينه أهمية الرفق بالحيوان. فكان القرد الذي استخدمته الكاتبة في قصتها «صديق» البخيل خلال مغامراته، وهو الذي أنقذه وساعده في مراحل الخطر التي أحدقت به.
كتاب «مغامرات أبجدية» للكاتبة مايا حبشي الأشقر صادر عن مؤسسة نوفل، يقع في 107 صفحات من الحجم الوسط، مغلّفة باللون الأحمر الجميل واللافت، مراعيةً انتباه الأطفال، فكانت الرسوم واللوحات لميريام مسك مرافقة لكل مغامرة من حروف الأبجدية الثمانية والعشرين، فأضفت عليها ضوءاً زاد من جمال الكتاب ومحتواه المشوّق.