حسين محمد حربتروق لك كلمة ثقافة ومثقفين حين تسمعها لأول مرة، إما مدحاً بك أو بوجودها في محيطك، فهي كلمة تعبّر عن فهم عال للأمور ولكل الأمور، وتنمّ عن مقدرة مهمة يجب النظر إليها بالأشخاص الذين يمتلكون شيئاً منها. ولكن للأسف، فإن معنى الثقافة الآن يعبر عن مستوى تكفيري محدد، أو حتى عن مستوى مادي محدد، والمثقفون هم أشخاص فهموا الثقافة بطريقتهم فأمعنوا فيها ظلماً وانحداراً كبيرين. إننا نشهد تردّياً فكرياً وثقافياً في أوساطنا العامة والخاصة.
إنها عملية انحدار إلى حدّ ما من التطور الفكري والثقافي إلى ارتباط مادي بمحسوسات لا تمت إلى الفكر بصلة، وهنا تكمن المشكلة، وهي بسيطرة غير الكفوئين على مكانة المثقفين وتهميش الأدمغة الكبيرة في حاضرنا، إذ أصبح تحصيل الثقافة أسهل ما يمكن تحصيله، بعدما كان من أصعب الكنوز، إذ لا أحد يمتلك كل الفكر وكل الثقافة.
أما الآن، فهو السهل غير الممتنع وهو شغل من لا عمل لهم، إن هذا التردي يشعرك بوجوب إعادة تعريف معنى الثقافة ليس من جانبنا بل من جانب المفكرين حقاً.
لست هنا لأحدّد من هم المفكرون حقاً ولكن الإنسان الذي يمتلك الكنز والذي لا يبخل به هو المثقف حقاً وباستطاعتكم البحث عنه ومعرفته ولكن ما يحيّرني هو اعتبار الصحافيين من الطبقة المثقفة، ومجرد كونك صحافياً يعني أنك مثقف وهذا ما يهين الصحافيين حقاً والمثقفين وحتى الثقافة، فالتردّي الذي وصلت إليه بعض وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ينبئ بمستقبل يسوده الجهل، وما يُنشر ويوضع في الصفحات والبرامج الثقافية خصوصاً هو الخطر بعينه والجهل أيضاً. فكثير من البرامج الثقافية يمثّل معرضاً للمثقفين المادّيين ومستوياتهم ولوحات لفنانين أبدعوا في مزج الألوان بطريقة عشوائية، وكتب كبيرة لا تمت إلى الفكر والعلم بصلة.
أمّا أساتذة الجامعات والكتّاب الكبار والصحافيون العظام، فلهم الهوامش وبعض الأسطر... إلى هنا وصل بنا إهمالنا للثقافة.
اذاً، فلينظر كل منا أين هو من هذا الإهمال؟ وهل سنترك هذا الإهمال يجتاح ثقافتنا؟
إن قدرة الإنسان على التغيير هي أساس حياته، فالتغيير هو المنشأ الصحيح والدافع لاستكمال الحياة وهذا ما يجدر بنا فعله. يجب علينا أن نحسّن من وضع المجتمع عموماً، ولا أتكلم من باب أننا مثقفون بل أننا أناس أدركنا معنى الثقافة.
إن التوجه العميق والقوي الذي ما زال سائداً عند أكثر المفكرين والصحافيين هو التغيير بحد ذاته، واحترام الثقافة هو البداية، إذ يجب على كل فرد أيقن معنى الثقافة بكل جوانبه أن يوقف كل المدّعين عليها ويضعهم في إطارهم الصحيح، ما يجعلنا أكثر موضوعية وأكثر حفظاً لها، لأنّ ازدياد هذا الانحلال يمكن أن يؤدي الى أكثر ممّا نحن فيه ولا يمكنني تخيل الوضع الذي سيحصل والتنبّؤ به. أما إعادة الأمور إلى نصابها، فهو الذي سيرتقي بنا إلى وضع ومجتمع وحالة أفضل، وهو الذي سيزيدنا احتراماً لكل ما يرتقي بالفكر إلى درجات العلى، وأجمل ما ينتجه إعلام واضح مثقف وبانٍ على أسس صحيحة يكون أقوى شعاراته حفظ الفكر.